للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفضائل ما فضّله به على غيره، وجعله سيد ولد آدم، وخصائصه وفضائله كثيرة وعظيمة، لا يسعها هذا الموضع.

وهو سبحانه مع هذا قد نهانا عن الشرك بهم والغلو فيهم، وميّز بين حقه تعالى وحقهم، فقال تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ [آل عمران: ٧٩] إلى قوله: مُسْلِمُونَ [آل عمران: ٨٠] فهذا بيان أن اتخاذ الملائكة والنبيين أربابا كفر، مع وجوب الإيمان بهم ما لم يحصل بعبادة الأوثان، فإن الأوثان تستحق الإهانة وأن تكسر كما كسّر إبراهيم الأصنام، وكما حرّق موسى العجل ونسفه، وكما كان نبينا صلى الله عليه وسلّم يكسر الأصنام ويهدم بيوتها، وقد قال تعالى: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ [الأنبياء: ٩٨] فإهانتها من تمام التوحيد والإيمان.

والملائكة والأنبياء بل الصالحون يستحقون المحبة والموالاة والتكريم والثناء مع أنه يحرّم الغلوّ فيهم والشرك بهم، فلهذا صار بعض الناس يزيد في التعظيم على ما يستحقّونه فيصير شركا، وبعضهم يقصّر عما يجب لهم من الحق فيصير فيه نوع من الكفر.

والصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهو القيام بما أمر الله به ورسله في هذا وهذا. والله تعالى يميز حقه من حق غيره ففي الصحيحين عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال له: «يا معاذ أتدري ما حقّ الله على العباد؟ قلت: الله ورسوله أعلم قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، أتدري يا معاذ ما حقهم عليه إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: أن لا يعذّبهم» «١». وقد قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف: ٢٦] وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [القصص: ٧٥] الآية. فالرسل كلهم، نوح وهود وصالح وشعيب وغيرهم يبينون أن العبادة التقوى حق لله وحده، وحق الرسل طاعتهم؛ قال نوح عليه السلام: يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ [نوح: ٢، ٣] وكذلك قال هود وصالح وشعيب وغيرهم: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وقال تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ [الشعراء: ١٠٥ - ١٠٨]. وكذلك قال سائر الرسل هود وصالح وشعيب، كل يقول: «فاتقوا الله وأطيعون» وكذلك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم قال الله تعالى:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ [النور: ٥٢] فجعل الطاعة لله


(١) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>