للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وضلالا أن يقول بكفر من قال بقول إمامه وأصحابه، بل كفى بمن قال ذلك جهلا وضلالا سواء كان مالكيا أو غير مالكيّ مع عظم قدر مالك بإجماع أهل الإسلام الخاص منهم والعام، بل لم يكن في وقته مثله. وقد روى الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة» «١». قال غير واحد: كانوا يرونه مالك بن أنس، فلو كان ما قاله هو وأصحابه مما خالفهم فيه بقية الأئمة لم يكن ذلك من مسائل التكفير، ولا من معاداة الأنبياء ومعاندتهم. فكيف والذي قاله مالك بن أنس هو قول سائر الأئمة كما يدل عليه كلامهم وأصحابهم ومسائلهم؟ والذين خالفوه غايتهم أن قالوا: إن السفر جائز. ولو قدر أن بعضهم قالوا: هو مستحب؛ فليس فيهم من يجعل أصحاب ذلك القول ممن تنقّص الأنبياء أو عاداهم أو عاندهم، بل قائل هذا من أجهل الناس. وهو في هذه المقالة بالنصارى أشبه منه بالمسلمين.

وقد ذكر إسماعيل بن إسحاق- وهو من أجلّ علماء المسلمين ومن أجل من قلد قضاء القضاة، حتى كان المتولي لذلك وحده في جميع بلاد بني العباس في خلافة المعتضد- ذكر في كتابه «المبسوط» ما تقدم ذكره في باب إتيان مسجد قباء والصلاة


(١) حديث ضعيف.
أخرجه أحمد (٢/ ٢٩٩) والترمذي (٢٦٨٠) والحاكم في «المستدرك» (١/ ٩٠ - ٩١) وابن حبان (٩/ ٥٢/ ٣٧٣٦) وابن أبي حاتم في تقدمة «الجرح والتعديل» (ص ١١ - ١٢) والبيهقي في «السنن الكبرى» (١/ ٣٨٦) والخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (٥/ ٣٠٦) (٦/ ٣٧٦) و (١٣/ ١٧) والفسوي في «المعرفة والتأريخ» (١/ ٣٤٦ - ٣٤٧) وابن عدي في «الكامل» (١/ ١٠١) وابن الجوزي في «مثير العزم الساكن» (٢/ ٢٨٤/ ٤٦٠) وابن عبد البر في «التمهيد» (١/ ٨٥) وفي «الانتقاء في فضائل الأئمة الثلاثة الفقهاء» (ص ٢٠ - ٢١) والذهبي في «السير» (٨/ ٥٥) وغيرهم.
من طريق: سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا.
قال الترمذي: «حديث حسن».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه». ووافقه الذهبي في «التلخيص».
لكن ذكر ابن الملقن في «مختصر استدراك الذهبي على المستدرك» (١/ ٨٤) عن الذهبي قوله: «قلت: إنما لم يخرجه مسلم؛ لأنه سأل البخاري عنه، فقال: له علّة؛ وهي أن أبا الزبير لم يسمع من أبي صالح».
قلت: الإسناد ضعيف؛ فإن ابن جريج مدلّس وكذا أبا الزبير، ولم يصرّح أحدهما بالتحديث في شيء من طرق الحديث.
قال الدارقطني: «تجنّب تدليس ابن جريج فإن تدليسه قبيح، لا يدلّس إلا فيما سمعه من مجروح».
أضف إلى ذلك العلّة التي ذكرها الذهبي وهي: عدم سماع أبي الزبير من أبي صالح.
فالعجيب من صنيع المحدث أحمد شاكر- رحمه الله- في تحقيقه على «المسند» (١٥/ ١٣٥) إذ قال:
«إسناده صحيح»!.
والحديث ضعفه المحدث العلامة محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله- في تحقيقه على «المشكاة» رقم (٢٤٦).

<<  <   >  >>