للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حدّثنا ابن نمير، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبّاد بن يوسف، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أنزل الله عليّ أمانين لأمتي: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فإذا مضيت تركت فيكم الاستغفار» «١».

فقد بيّن صلى الله عليه وسلّم أن الأمان بوجوده هو في حياته، وأنه بعد موته لم يبق إلّا الاستغفار، ليس في وجود القبور أمان.

وكذلك في صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال:

«النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهبت أصحابي أتى أمتي ما يوعدون» «٢».

ومما يوضّح الأمر في ذلك أنه من المعلوم أن بيت المقدس وما حوله من قبور الأنبياء ما هو أكثر من غيره، فإنه قد قيل: إن بني إسرائيل بعث فيهم ألف نبي، ومع هذا فقد قال الله تعالى: وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ إلى قوله تعالى: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا [الإسراء: ٤ - ٨]. فقد بيّن الله أنهم إذا علوا وأفسدوا عاقبهم الله بذنوبهم، وسلّط عليهم العدوّ الذي جاس خلال الديار ودخل المسجد، وقتل فيهم من لا يحصي عدده إلا الله، ولم يخفرهم أحد من قبور الأنبياء التي كانت هناك، وإنما الناس يجزون بأعمالهم، والله تعالى هو الذي يرزقهم وينصرهم، لا رازق غيره ولا ناصر إلا هو. قال تعالى: أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ [الملك: ٢٠] الآيتين. فليس للعباد من دون الله لا رازق ولا ناصر. وقد قال الله تعالى: وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ [الإسراء: ٥٨] الآية.

فأخبر أنه لا بد لكل قرية من هلاك أو عذاب شديد بدون الهلاك، وذلك بذنوبهم بعد إرسال الرسل لهم. قال الله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ [الشعراء: ٢٠٨، ٢٠٩].

وكان أهل المدينة النبوية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعهد خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أحسن أهل المدائن حالا، ونعمة الله عليهم أعظم النعم لكونهم كانوا مطيعين لله ورسوله، وكانت الخلفاء تسوسهم سياسة نبوية، فلما تغيروا وقتل بينهم عثمان رضي الله عنه تغيّر الأمر وحصل لهم من الخوف والذل، ثم أصابهم من السيف ما أصابهم ورسول الله صلى الله عليه وسلّم مدفون بالحجرة، وهو قد بلّغهم الرسالة وأدّى الأمانة،


(١) أخرجه الترمذي (٣٠٨٢) وضعّف إسناده المحدث الألباني في «ضعيف سنن الترمذي» (٥٩٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٣١).

<<  <   >  >>