للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكروه، سواء كان إلى مسجد أو إلى قبر نبي أو غير ذلك؛ لم يدخل شيء من هذا في مسائل تنقيص الأنبياء وسبهم، بل أبلغ من هذا أنه إذا تكلم في مسائل العصمة، وهل يجوز على الأنبياء الذنوب أو لا يجوز «١»، واختار مختار أحد القولين لم يقل أحد من المسلمين إن هذا تنقّص وسبّ ومعاداة، وكذلك السؤال بالأنبياء في الدعاء، مثل أن يقول الداعي: أسألك بحقّ الأنبياء عليك، نهى أبو حنيفة عنه، وطائفة ترخص في هذا. ولم يقل أحد إن كل من نهى عن ذلك قد تنقّص بالأنبياء وعاداهم.

والقاضي عياض رحمه الله مع أنه أبلغ الناس في مسائل العصمة وفي مسائل السبّ، قد ذكر هذا لئلا يقع فيه هؤلاء الجهال الذين يجعلون الكلام العلمي والاستدلال بالأدلة الشرعية، والاجتهاد في متابعة الرسول والأنبياء، من باب المعاداة والسب والتنقّص، ولا ريب أن هذا الباب إن كان فيه معاداة وتنقّص لهم؛ فمن خالفهم وأمر بما نهوا عنه ونهى عما أمروا به، وقال عنهم الكذب، ونسب إليهم ما نزّههم الله منه، مثل هؤلاء الجهّال المفترين، كان هو أولى بالمعاداة والسب والتنقص، كما قد بسط في مواضع آخر.

إذ المقصود هنا ما ذكره القاضي عياض رحمه الله قال: لما ذكر قسم الكلام في


(١) ذهب بعض العلماء إلى القول بأنه لا يجوز الوقوع من قبل الأنبياء في الكبائر والصغائر مطلقا، لا على جهة العمد ولا السهو.
وقد أجمع العلماء على انتفاء وقوع الكبائر من الأنبياء، لكن اختلفوا في الصغائر؛ هل تقع منهم؟
قال البعض بجواز وقوع ذلك منهم سهوا.
وقال البعض الآخر: إن الخطأ يقع في الأفعال دون أمور التبليغ والديانة.
وشذّ قوم فقالوا بإمكان وقوع الكبائر منهم سهوا!
ولتفصيل المسألة؛ انظر: «المحصول» للرازي (٣/ ٢٢٥ - ٢٢٨) و «التحصيل من المحصول» للأرموي (١/ ٤٣٣ - ٤٣٤) و «نفائس الأصول في شرح المحصول» للقرافي (٥/ ٢٣٩٢ - ٢٣٩٧) ونهاية الوصول في دراية الأصول «لصفي الدين الهندي» (٥/ ٢١١٣ - ٢١٢٠) و «نهاية السئول في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول» للأسنوي (٢/ ٦٤١ - ٦٤٣) و «الأحكام» للآمدي (١/ ١٧٠).
ومن المهم ذكره في هذا المقام أن كثيرا من علماء الإمامية! يشنعون على علماء أهل السنة القائلين بجواز وقوع السهو والخطأ من الأنبياء- بالضوابط التي يذكرونها- وتراهم يكيلون لهم السّباب والشتائم.
مع أن كثيرا من علمائهم المتقدمين يقولون هذا القول، ولا تراهم يذكرونهم بأي سوء!
فمن القائلين بجواز السهو والخطأ على الأنبياء من علماء الإمامية:
الشيخ الصدوق، والشريف المرتضى، الذي يرى جواز غلبة النوم على الأنبياء في أوقات الصلوات فيقضونها، ولا يعد ذلك عيبا ولا نقصا. انظر «الأنوار النعمانية» (٤/ ٣٤) - الأعلمي- وأقرّه نعمة الله الجزائري في المصدر السابق.
والخوئي يقول: «إن القدر المتيقن من السهو الممنوع على المعصوم هو السهو في غير الموضوعات الخارجية» «صراط النجاة»! (١/ ٤٦٢).

<<  <   >  >>