للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطبة المسجد النبوي - ١٥ رجب ١٤٣٢ - التحذير من الفتن - الشيخ عبد المحسن القاسم

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

أيها المسلمون:

امتنَّ على عباده بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنة، ولا تتمُّ نعمةٌ إلا بالدين، والثبات عليه من التحوُّل أو النقصان من أشق الأمور، قال أنس - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُكثِر أن يقول: «يا مُقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك». فقلتُ: يا رسول الله! آمنَّا بك وبما جئتَ به، فهل تخافُ علينا؟ قال: «نعم، لإن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يُقلِّبها كما يشاء»؛ رواه الترمذي.

ومن دعاء الصالحين: رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران: ٨].

والشيطان راصدٌ للإنسان في كل سبيلٍ لإفساد دينه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن عرش إبليس على البحر، فيبعثُ سراياه فيفتنِون الناس، فأعظمُهم عنده أعظمُهم فتنة»؛ رواه مسلم.

والفتنُ من أعظم المُؤثِّرات على الدين، فلا تعرفُ سنًّا ولا جنسًا ولا بلدًا، وهي تُمحِّص القلوبَ وتُظهِرُ ما فيها من صدقٍ أو ريب، فتتعرَّض لكل قلبٍ فيسقط فيها أقوامٌ وينجو آخرون، قال - عليه الصلاة والسلام -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتَت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتَت فيه نُكتةٌ بيضاء»؛ رواه مسلم.

وهي كثيرةٌ، وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «بادِروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المُظلِم»؛ رواه مسلم.

ولا تدَعُ بيتًا إلا دخَلَته، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القَطر»؛ متفق عليه.

وكلما فُتِحت نعمةٌ نزلَت معها فتنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ماذا فُتِح الليلة من الخزائن وماذا أُنزِل من الفتن؟»؛ متفق عليه.

وإذا بعُد الناس عن زمن النبوة ظهرَت الفتن، قال - عليه الصلاة والسلام -: «لا تقومُ الساعةُ حتى يُقبَض العلمُ، وتكثُر الزلازل، ويتقارَب الزمانُ، وتظهرَ الفتن»؛ رواه البخاري.

وهي تتوالَى على العبد إلى مماته، وقد تأتي بمُهلِكته وقد تتدرَّج عليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إن أمتي هذه جُعِل عافيتُها في أولها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تُنكِرونها، وتجيءُ فتنةٌ فيُرقِّقُ بعضُها بعضًا، وتجيءُ الفتنةُ فيقول المؤمنُ: هذه مُهلِكَتي، ثم تنكشِفُ وتجيءُ الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُزحزَحَ عن النار ويدخل الجنةَ فلتأتِه منيَّتُه وهو يؤمنُ بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتَى إليه»؛ رواه مسلم.

وخطَرها كبير، من دنا منها أخذَته، ومن حام حول حِماها أوقَعَته، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من تشرَّف لها تستشرِفه»؛ متفق عليه.

منها ما هو كبير يمُوج كموج البحر، ومنها ما هو دون ذلك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يعُدُّ الفتن: «منهن ثلاثٌ لا يكَدنَ يذَرنَ شيئًا، ومنهن فتنٌ كرياح الصيف منها كبار ومنها صغار»؛ رواه مسلم.

منها ما تُخرِج المرء من الدين، قال - عليه الصلاة والسلام -: «يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسِي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يبيعُ دينَه بعرَض من الدنيا»، رواه مسلم.

قال النووي - رحمه الله -: "وهذا لعِظَم الفتن ينقلِبُ الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب".

وفتنةُ الشرك أعظمُ من القتل، ومن فتنته أن يُظنَّ أن دعوة الأموات وأصحاب القبور مسموعة، فردَّ الله شبهَتهم بقوله: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: ١٣، ١٤].

أو يُظنَّ أن العمل الصالح لا ينقُضه الشركُ ولا يُفسِده، وقد أخبر الله أن العمل الصالح يبطُل إذا قارنَه الشرك به، قال - سبحانه -: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: ٦٥].

وكل عملٍ لم يكن خالصًا لله فإنه لا يُقبَل ولو كثُر، والرياء في الأعمال وعدم الإخلاص فيها لله أعظم من فتنة الدجال، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ألا أُخبِركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجَّال؟». قلنا: بلى، قال: «الشرك الخفِيُّ»؛ رواه ابن ماجه.

والتوكُّل على الله أحد ركنَي الدين: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: ٥]، والله - سبحانه - هو الخالق الرازق القدير، وتفويض الأمر إليه يشرحُ الصدر ويُيسِّر الأمر، ويُحقِّقُ - بإذن الله - المُنى، قال - جل شأنه -: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: ٣].

والاعتماد على الأسباب في طلب الرزق وغيره والتعلُّق بالمخلوقين مع ضعف التوكُّل أو تركه فتنةٌ في الدين، وذلٌّ للنفس، وجلبٌ للأحزان، وداعٍ للهموم، والإيمانُ يصقُل النفوس ويُهذِّبها ولا يُذبذِبُها، فتشكر ربَّها عند النعماء، وتصبر عند البلاء.

ومن الفتن: تركُ الهداية إن نزلت محنةٌ أو أقبلَت دنيا بزُخرفها أو تحليل ما كان يراه حرامًا اتباعًا لهوىً أو طمعًا بدنيا، قال الله - عز وجل -: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج: ١١].

والخلقُ يُفتنُ بعضُهم ببعض، قال - سبحانه -: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان: ٢٠].

قال ابن القيم - رحمه الله -: "وهذا عامٌّ في جميع الخلق، امتحنَ بعضَهم ببعض، فامتُحِن الرسل للمُرسَل إليهم، والمُرسَل إليهم بالرسل، وامتُحِن العلماء بالجهَّال، وامتُحِن الجهَّال بالعلماء، وامتُحِن الأغنياء بالفقراء، والفقراء بالأغنياء".

والأُلفة وجمع الكلمة على الحق من أسس قوة الإسلام وأهله، ونهى الله عن الشتات والافتراق، فقال: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الروم: ٣١، ٣٢]، ومن أُوليات أعمال النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدِمَ المدينة تأليفُ قلوب الأوس والخزرج والمُؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لنشر الإسلام.

ومن الفتن: الفُرقة والنزاع والاختلاف بين المسلمين اتباعًا لهوًى ونحوه، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "والفتنُ التي يقعُ فيها التهاجُر والتباغُض والتطاعُن والتلاعُن ونحو ذلك هي فتنٌ وإن لم تبلغ السيف".

والله كرَّم الإنسانَ وفضَّلَه وعظَّمَ حرمةَ المسلم ودمَه، وفي آخر الزمان يقلُّ العمل الصالح ويضعُف الإيمانُ في النفوس، فيُستهانُ بحُرمات الله، ومن الفتن: كثرة القتل في الأمة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ويكثُر الهَرجُ». قالوا: يا رسول الله! وما الهَرج؟ قال: «القتل»؛ متفق عليه.

ولكثرة القتل يُسفكُ الدم من غير سبب، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أي شيءٍ قتَل، ولا يدري المقتول على أي شيءٍ قُتِل»؛ رواه مسلم.

ومن سلِمَت يدُه عن الاعتداء فليحفَظ لسانَه عن أعراض المسلمين.

والمالُ فتنةُ هذه الأمة، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «فتنةُ أمتي في المال»؛ رواه الترمذي.

وكان - عليه الصلاة والسلام - يتعوَّذ من فتنته يقول: «وأعوذ بك من فتنة الغِنى ومن فتنة الفقر»؛ متفق عليه.

وخشِيَ - عليه الصلاة والسلام - على أمته كثرةَ المال والمنافسةَ في جمعه، فقال: «واللهِ ما الفقرَ أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تُبسطَ عليكم الدنيا كما بُسِطَت على من كان قبلكم، فتنافَسُوها كما تنافَسُوها، فتُهلِكَكم كما أهلكَتهم»؛ متفق عليه.

ومن فتنته: جمعُه سواءٌ من حِلٍّ أم من حرام، قال - عليه الصلاة والسلام -: «يأتي على الناس زمانٌ لا يُبالي المرءُ ما أخذَ منه أمِن الحلال أم من الحرام»؛ رواه البخاري.

ومن فتنته: البخلُ به أو احتقار المساكين أو جعله سببًا للعصيان أو الاستكبار به على الخلق ونسيانُ أن الله هو المُنعِم عليه أو بيع الدين للحصول عليه، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: «يبيعُ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا»؛ رواه مسلم.

والسعيدُ من قنِعَ بعطاء الله له وجمعه من حلالٍ وأيقنَ بأن الله هو المُنعِمُ عليه وحده، فشكر ربَّه وتواضَع للخلق وبذَلَ مالَه ابتغاء مرضات الله.

والدنيا تزيَّنت لأهلها وفتحَت أبوابها في الصناعة والآلة والبناء وغيرها، والمرءُ قد يُفتنُ بما يراه فيها، وينسى أن الله هو الذي وهبَ للإنسان العقلَ وسخَّر له الأرضَ وما فيها مع كواكب أخرى؛ لتكون عونًا للإنسان على طاعة ربه، وحذَّر أن تكون تلك النعمُ صادَّةً عنه، وإذا استكبَر بما صنعَه وانبهَر بما رآه فالأُمم السابقةُ قد فُتِح لها من القوة والمال والولد ما لم يُفتَح لهذه الأمة، قال - سبحانه -: كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا [التوبة: ٦٩].

والأولاد زينةُ الحياة، وجعلَهم الله فتنةً، كما قال - سبحانه -: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن: ١٥]، ومن فتنتهم: التفريطُ في تنشِئَتهم على الدين أو جمعُ المال من غير حِلِّه لهم أو تركُ شيءٍ من أنواع الطاعات أو انتهاكُ محظورٍ من أجلهم.

والدجَّال ما من نبيٍّ إلا حذَّر أمتَه منه، وهو أعظم إنسانٍ هيئةً وأشدُّه وثاقًا، مجموعةٌ الآن يداهُ إلى عُنقه، وما بين رُكبتيه إلى كعبَيه بالحديد، وإذا أذِنَ الله بخروجه حُلَّ وثاقُه وسعى في الأرض، فيهرُب الناسُ إلى الجبال خوفًا منه، ومن فتنته: ادِّعاءُ الربوبية، فيُكذِّبُه بعضُ الناس، فيأمر السماءَ فتُمطِر، والأرضَ فتُنبِت، ويمرُّ بالخَرِبة فيقول لها: أخرِجي كنوزكِ، فتتبعُه كنوزُها، ويضربُ الرجلَ بالسيف فيقطعه قطعتين، ثم يدعوه فيُقبِل فيُقبِل إليه، فإذا رأى ذلك بعضُ الناس قالوا: أنت ربُّنا فتنةً لهم.

وبعد، أيها المسلمون:

فلا عاصمَ من الفتن إلا ما عصمَ الله، قال - سبحانه -: وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا [المائدة: ٤١].

والدعاء سلاحُ المؤمن في السرَّاء والضرَّاء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمرَ صحابتَه بالتعوُّذ من الفتن، قال زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: أقبلَ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال: «تعوَّذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن». قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ رواه مسلم.

بل وأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالتعوُّذ منها في كل صلاة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «إذا تشهَّد أحدكم فليستعِذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجَّال»؛ رواه مسلم.

والبُعد عن الفتن عصمةٌ منها، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالهرب من الدجَّال لمن سمِعَه، ويعظُم قدرُ العبد بالبُعد عنها، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ستكون فتنٌ القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، من تشرَّف لها تستشرِفه، فمن وجدَ ملجأً أو معاذًا - أي: هربًا منها - فليعُذ به»؛ متفق عليه.

قال ابن حجر - رحمه الله -: "في الحديث التحذيرُ من الفتنة والحثُّ على اجتناب الدخول فيها، وأن شرَّها يكون بحسب التعلُّق بها".

والعلم الشرعي حصنٌ مكينٌ يدرأ عن الجوارح أعمال الشهوات، وعن القلب اعتقاد الشُّبهات، قال - عليه الصلاة والسلام -: «تركتُ فيكم أمرين لن تضِلُّوا ما إن تمسَّكتم بهما: كتابَ الله وسنة نبيه»؛ رواه الإمام مالك.

والصلوات الخمس جماعةٌ في بيوت الله تحفظُ العبدَ من المكاره والشرور، قال - جل شأنُه -: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت: ٤٥].

والرُّفقة الصالحةُ تُدنِي من الخلق وتُباعِدُ عن الشر، وصُحبة السوء ندامةٌ تُجمِّل القبيحَ وتأزُّ إليه، والحياة معبَرٌ، والموفَّق من صانَه الله من الفتن والمِحَن، ثم لقِيَه وهو راضٍ عنه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الزخرف: ٤٣].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أما بعد، أيها المسلمون:

فتنةُ الشُّبهات تُدفَع باليقين، وفتنةُ الشهوات تُدرأ بالصبر، والمسلمُ الحقُّ هو الذي يُصلِح الناسَ يوم فتنتهم ويُبيِّن خطرَها، ويُوصِي بالاعتصام بحبل الله المتين، وشأنُ العبادة من الدعوة إلى الله وغيرها في أوقات الفتن يعظُم أجرُها عند الله، قال - عليه الصلاة والسلام -: «العبادةُ في الهَرج كهجرةٍ إليَّ»؛ رواه مسلم.

وعلى المرء ألا يغترَّ بكثرة الهالكين، وألا يستوحِش من قلَّة السالكين، ولا ينظر إلى كثرة من هلَك، وإنما ينظر إلى الناجي كيف نجا لينجو.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: ٥٦].

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم يا رب العالمين، وأعلِ شرفَهم وقدرَهم، واصرف عنهم عدوَّك وعدوَّهم يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل.

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: ٩٠].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

<<  <   >  >>