خطبة المسجد النبوي - ٤ ذو الحجة ١٤٣٢ - صلاة الاستسقاء - المعاصي سبب حلول المصائب - الشيخ حسين آل الشيخ
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الاستسقاء بعنوان: "المعاصي سبب حلول المصائب"، والتي تحدَّث فيها عن المصائب وأن سببَ نزولها المعاصي والذنوب.
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
قد شكونا جدبَ ديارنا، والقحطَ في بُلداننا، حتى مسَّنا البأساءُ والضرَّاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، هو ملجؤنا، وهو الذي إليه نلتجِئُ عند الشدائد والمِحَن.
أيها الناس:
إن ما يُصيبُ المسلمين من مصائب فإنما هو بسبب ما كسبَت أيديهم؛ فما نزل بلاءٌ إلا بذنبٍ، يقول الله - جل وعلا -: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: ١٦٥].
وما يقعُ في الأرض من فسادٍ بشتَّى صُوره إلا بسبب ذنوبِ العباد، يقول ربُّنا - جل وعلا -: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم: ٤١]، ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - فيما رُوي عنه في "مسند الإمام أحمد" - أنه قال: «وإن الرجلَ ليُحرَمَ الرزقَ بالذنبِ يُصيبُه».
ولكن - أيها المسلمون - إنه لا يرتفعُ بلاءٌ إلا بتوبةٍ إلى الله - جل وعلا -، ولا يحصُل مخرجٌ من أزمةٍ وضيقٍ إلا بتقوى الله - جل وعلا -؛ فربُّنا - سبحانه - يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق: ٢]، ويقول - عزَّ شأنُه -: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: ٤]، وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: ٩٦].
أيها المسلمون:
توبوا إلى الله - جل وعلا - توبةً نصوحًا، وعودُوا إلى العمل الصالح بكل أنواعه، التجئُوا إلى الله - جل وعلا -، تقرَّبوا إليه ظاهرًا وباطنًا، حقِّقوا التوحيدَ الخالص، والعملَ الصالح تنالوا الخيرَ بشتَّى صُوره في الدنيا والآخرة.
يقول الله - جل وعلا - مُبيِّنًا أن المتاعَ الحسن والحياةَ الطيبةَ إنما هي بالتوبة الصادقة والاستغفار بالقلبِ والقولِ والعمل: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: ٣]، ويقول - جل وعلا - عن نبيِّه هود أنه قال لقوه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود: ٥٢].
إن الرحمةَ في الدنيا إنما تنزلُ بالتوبة الصالحة الصادقة، فيقول الله - جل وعلا - عن نبيِّه صالح أنه قال لقومه: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل: ٤٦].
جاء رجلٌ إلى أحد السلف فقال له: إني أشكُو الفقرَ، فقال: "عليك بالاستغفار". وجاءه آخر فقال: شكَونا الجدبَ، قال: "عليكم بالاستغفار". وقرأ في الموضعَيْن: قول الله - جل وعلا -: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح: ١٠ - ١٢].
فعليكم - أيها المسلمون - التوبة الناصحة الصادقة، الزَموا العملَ الصالحَ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، اعتقادًا وقولاً وعملاً يحصُلُ لكم الفوزُ من كل جانبٍ.
أيها المسلمون:
إن الله - جل وعلا - أمرَنا بدعائه، ووعدَنا بالإجابة، فنسألُ الله - جل وعلا - أن يُجيبَ دعاءَنا، وأن يُفرِّجَ كُرُباتنا.
لا إله إلا الله يفعلُ ما يريدُ، اللهم أنت الغني ونحن الفقراءُ، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين.
اللهم أنزِل علينا الغيثَ واجعل ما أنزلتَه متاعًا إلى حين.
اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم اسقِ عبادَك وبهائمَك، وأحيِي بلدَك الميتَ، وانشُر رحمتك على العباد يا رحمن يا رحيم.
نسألك بأننا نشهدُ أن لا إله إلا أنت الأحدُ الصمدُ الذي لم يلِد ولم يُولَد ولم يكن له كُفوًا أحد، نسألُك يا منَّان، يا بديع السماوات والأرض أن تُنزِلَ علينا الغيثَ، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أحيِي بلادنا بالمطر، اللهم أحيِي بلادنا بالمطر، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين، اللهم اسقِ بلادَنا وبلاد المسلمين.
اللهم سُقيا رحمةٍ يا حيُّ يا قيُّوم، لا سُقيا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا عذابٍ.
نسأل اللهم غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا عاجلاً غير ضارٍّ يا أرحم الراحمين.
اللهم لا ترُدَّنا خائبين، اللهم لا ترُدَّنا خائبين، اللهم لا ترُدَّنا خائبين.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا ورسولِنا محمد.