الوراثة واستكمالها، فقد كان كل منهم ينازع غالباً ليظهر للناس أنه أعظم حجة وأعز نفراً.
فالتمزق هنا لم يصب الضمير العلمي، وإنما أصاب ضمير الإنسانية المتهيئ لجميع الانفصالات، المستعد لضروب المنازعات، المشرف على منازل القيامة. ولعل في ضمير الغيب مصيراً محزناً ينتظر هذه الإنسانية، إذ عساها تعود إلى عهود الكهوف، وقد توحي إلينا القنابل الذرية في الغد بفن جديد من فنون العمارة، عمارة الحياة في جوف الأرض، ويومئذٍ تعيش الإنسانية في أعشاش هائلة تشبه أعشاش القوارض، أعشاش عجيبة تتفق وخصائص إنسانية استعاضت عن العقل بالآلة، وعن المبادئ الأخلاقية بالرقم، وعن (الله) بما ابتدعته من أساطير.
أية كانت وجهة الأمر، فإن العالم الإسلامي لا يستطيع في غمرة هذه الفوضى أن يجد هداه خارج حدوده، بل لا يمكنه في كل حال أن يلتمسه في العالم الغربي الذي اقتربت قيامته، ولكن عليه أن يبحث عن طرق جديدة ليكشف عن ينابيع إلهامه الخاصة. ومهما يكن شأن الطرق الجديدة التي قد يقبسها، فإن العالم الإسلامي لا يمكنه أن يعيش في عزلة، بينما العالم يتجه في سعيه إلى التوحد، فليس المراد أن يقطع علاقاته بحضارة تمثل ولا شك إحدى التجارب الإنسانية الكبرى، بل المهم أن ينظم هذه العلاقات معها.