خلق مجتمع ما بعد الموحدين كائناً على صورة (الأميبا): كائناً متبطلاً يتسكع، حتى إذا رأى فريسة هينة أبرز إليها ما يشبه (اليد) ليقنصها، ثم يهضمها في هدوء. ولقد شاءت المصادفة أن تمده بفرائس أشبعت حاجاته المتواضعة، فدرج على هذا النحو خلال قرون خلت، اتكل فيها على عناية السماء لترزقه، حتى إذا جاء الاستعمار اختطف منه ما كان يطعم، حتى لم يدع له شيئاً يتبلغ به، وكان من نتيجة ذلك أن تحرك ضميره الأميبي، أعني معدته، فمد (شبه اليد) إلى فريسة وهمية أطلق عليها لفظة (الحق). كان ذلك هو منشأ (البوليتيكا) باعتبارها (يداً) لمجتمع ساغب، لم يعد يملك شيئاً يسد به رمقه.
لقد قالوا: إن الحاجة هي أول عمل تاريخي شعر به الإنسان في علاقاته الاجتماعية. وهذا تعريف نفعي يفسر التاريخ بعملية استهلاك، وهو تعريف أدى في بلد كالجزائر إلى إطالة يد (الأميبا)، إلى جانب أنه لا يتفق ومرحلة التطور التي يمثلها مجتمع ما بعد الموحدين، فلا شك أن هذا المجتمع كان يشعر ببعض الحاجات البدائية، كالحاجة إلى الأكل والشرب مثلاً، لكنه منذ سبعة قرون لم يخترع حتى يد المكنسة، اللهم إلا ما اخترعه من (خيط يقطع به الزُّبد) .. !! لم تكن (الحاجة) إذن هي التي تنقصه، فإن جداتنا قد استشعرنها عندما كن يكنسن حجراتهن كل صباح بمكانسهن القديمة القصيرة، فيلعنّها ويتنهدن، إذ تضطرهن إلى الانحناء، ومع ذلك فإن الفكرة البسيطة التي توحي إليهن بعمل ذراع للمكنسة لم تراود خيالهن.
ذلك لأن الحاجة لا تكون فعالة خلاقة إلا حين يمنحها الضمير من روحه ما يحيلها عملاً ملزماً، وهذا العمل الملزم هو الذي يسّر للمجتمع الإسلامي أن يحيل