للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أفكاره وحاجاته إلى منتجات حضارة. أما منذ ظهر إنسان ما بعد الموحدين فقد صارت عملية الإنتاج مجرد عملية استهلاكية.

وليس يكفي مجتمعاً لكي يصنع تاريخه أن تكون له حاجات، بل ينبغي أن تكون له مبادئ ووسائل تساعده على الخلق والإبداع. ومن هذا الوجه نرى من المفيد أن نصف التطور بلغة الطاقة، فإن قانون التبادل الذي يتحكم في الحياة الاجتماعية، غير مقتصر في الواقع على مجرد التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، فإن توازناً كهذا يكون قاتلاً، لأنه يقتصر على استخدام المنتجات دون أن يعمل على زيادة القوى الإنتاجية، بل إن هذا التوازن لا يمكن أن يتصور، وهو ما يهدف إليه قانون (كارنو) في مجال الحرارة الديناميكية.

فلكي تتجلى الطاقة بصورة فعالة يجب أن نرفع مستواها، بمعنى أنه يجب أن نجمِّعها حتى ينتج من هذا التجميع ما يشبه (المسقط)، شأن اختلاف درجات الحرارة في إحدى الآلات الحرارية، أو اختلاف قوة التيار الكهربي في إحدى الآلات الكهربية. فما سميناه من قبل (بالحاجة) يجب أن ننظر إليه باعتباره في باب الطاقات الاجتماعية هبوطاً في قوة هذه الطاقات.

وينبغي أن نعلم أن علم الاجتماع يرى أن (الحاجة) في صورتها البدائية العاجلة ليست هي العمل التاريخي الأول، ولكنه يخلع هذا الوصف على روح المبادرة التي تخلقها وتنميها وتشبعها، وبعبارة أخرى نحن بحاجة إلى تعريف مزدوج (للحاجة)، تعريف لها في صلتها بالطاقة، وآخر في صلتها بالمنفعة، فلو أننا حاولنا أن نترجم هذه الاعتبارات إلى حقل السياسة، وجب أن يكون ذلك طبقاً لوسائلنا، لا تبعاً لحاجاتنا، فلسنا إذن بحاجة إلى نظرية تهتم (بالحق) على حدة، أو (بالواجب) على حدة، فإن الواقع الاجتماعي لا يفصلهما، بل يقرنهما، ويربط بينهما في صورة منطقية أساسية، هي التي تسيِّر ركب التاريخ.

<<  <   >  >>