قبل (ديكارت)، وكما صارت إليه الحال بعد عصر ابن خلدون في العالم الإسلامي، عندما توقف كل جهد عقلي.
ولكن التراث الثقافي الخطير الذي خلفته الحضارة الإسلامية للحضارة الحديثة، يظل شاهداً على ما كان يتصف به الفكر الإسلامي في عصوره الذهبية، فلقد اتسم كفاحه في مجالاته كافة بالإحساس (بالقانون)، وهو يستلزم القدرة على التركيب، فوضعت النظريات القانونية وبناها الفقهاء على قواعد (الأصول). وهكذا نجد التشريع الإسلامي يحمل للمرة الأولى في تاريخ التشريع طابع نظام فلسفي يقوم على مبادئ أساسية، بينما لا يعدو القانون الروماني أن يكون مجموعة من الملفقات القانونية العفوية، ليس بينها رباط عقلي.
وبوسعنا أن نذكر أيضاً ما حققه العلامة (أبو الوفا) في علم الفلك من اكتشاف للتغيير في حركة القمر، وهو ما يطلق عليه اسم (اللا متساوية الثانية)، وما حققه العلامة (ابن خلدون)، الذي يرجع إليه الفضل في استنباط قوانين التاريخ وعلاقاتها بأوجه نشاط المجتمعات، وهذا دليل على أن الفكر العربي كان يحمل حاسة القانون وذوقه.
ولست أيضاً مع العالم الإنجليزي، فيما ذهب إليه حين تحدث عن (الاتجاه الإنساني) في الحركة الإسلامية الحديثة، فعزاه إلى تأثير الثقافة الأوربية. فإن من الواجب أولاً أن نحدد مصطلحاتنا: فإذا كنا نتحدث عن نزعة إنسانية تقليدية أو دبلوماسية، فإنا نعترف مختارين بأن الثرثرة الإنسانية ذات جرس جميل، وبأن المتاع اللغوي لدى بعض المسلمين المحدثين قد أثرى ببعض الجمل المنمقة، وببعض الأشعرة الخلابة.
بيد أنه ربما وجب علينا أن نبحث الوقائع وأن نذر الألفاظ، وذلك بأن