نتناول النزعة الإنسانية في معادنها الأصيلة من التسامح والإيثار واحترام شخص الإنسان.
ولا مجال في مثل هذا الكتاب لعقد مثل هذه الموازنة، إذ ينبغي أن نبدأ فيما يخص الإنسانية في الإسلام، بذكر (القيمة الدينية) التي قررها القرآن للفرد، كما أكدنا ذلك في دراستنا عن (الظاهرة القرآنية)، في الفصل الذي درسنا فيه (علاقة القرآن بالكتاب المقدس).
وربما كان من الواجب أن نورد أيضاً ما أوصى به أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، جيش المسلمين من أن ((لا يقتلوا الأعزل، ولا الراهب في صومعته، ولا يقتلوا الأنعام، ولا يحرقوا الزرع)) (١).
ثم يرد بعد ذلك الموقف الجليل الذي وقفه عمر، رضي الله عنه، عندما استولى المسلمون على بيت المقدس، فقد أبى أن يؤدي الصلاة داخل كنيسة القيامة، واكتفى بأن يسجد عند بابها الخارجي في خشوع، مؤمّناً بذلك النصارى من جسارة الجند المسلمين، كما أننا لا نستطيع أن نضرب صفحاً عن سعة الصدر التي امتازت بها مدارس الفكر في العالم الإسلامي في عصرها الذهبي، حين تتلمذ عليها الفكر الإنساني دونما قيد أو شرط؛ كان العلم أمراً مباحاً للراهب (جربرت)، وللكاهن (ميمون)، على حد سواء. فإذا ما رجعنا البصر إلى الحضارة الأوربية الحديثة، وجدناها تدل بعلمها على البلدان المتخلفة أو على الأصح: البلدان التي صيرتها متخلفة، فلا يمكن أن ننسى فداحة الثمن الذي تكبده بعض مثقفينا المسلمين من الأشغال الشاقة والسجن المؤبد.
(١) هذه الوصية في أصلها مما كان يوصي به الرسول - صلى الله عليه وسلم - صحابته حين كان يوجههم إلى الغزو، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا باسم الله تعالى، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» مجمع الزوائد ٥/ ٣١٦.