للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكيف يتأتى للعالم الإسلامي أن يبحث عن إلهام فلسفته الإنسانية فيما وراء تقاليده العريقة .. ؟ إن حديثنا عن إنسانية أوربا لا يكون إلا حديثاً عن نزعة إنسانية (جذبية) دون إشعاع، وفي هذه الحالة نراها تعني (إنسانية أوربية) في الداخل، و (إنسانية استعمارية) في الخارج، وهذه الأخيرة قائمة على أقبح المعادلات السياسية وأشنعها: (فالإنسان) في عرفها مضروباً في (المعامل الاستعماري) يساوي مستعمراً.

أياً ما كان الأمر، فإن كتاب العالم الإنجليزي يستحق اهتمام كل مسلم يريد أن يختط بعض المعالم لأفكاره، وأن يقوِّم موضوعياً، لا أقول القيم الإيجابية في نهضته فحسب، ولكن القيم السلبية التي تعد حالياً أساس الفوضى في العالم الإسلامي.

ويتحدث (جب) على الأخص عن (النزعة الأدبية)، وهو ما سبق أن نددنا به تحت عنوان (الحرفية) في الثقافة (١).

كما يتحدث عن سمة غالبة يرمز إليها بذوق الفخر والمديح، وبالنزعة الرومانتيكية التي تتسم بها ثقافتنا، حتى عند بعض كبار المفكرين المحدثين، ولهذا الحديث قيمة كبرى في كتابه، وخاصة لدى من يذهبون إلى القول إن محرك التقدم ودليله إنما هو (الحقيقة)، والفخر إنما يكون دائماً على حساب (الحقيقة)، فهو خيانة لها، وبالتالي خيانة للتاريخ نفسه.

ولكن إذا كان من الخيانة للحقيقة أن نسرف في الحديث عن أنفسنا، فمن الخيانة لها أيضاً أن نجهل قدر أنفسنا، فنقلل من شأنها، ولهذا يبدو أن (جب) قد أغفل الحديث عن مركب النقص الذي يتصف به بعض المثقفين والقادة المسلمين.


(١) انظر كتابنا (شروط النهضة).

<<  <   >  >>