وهي اليوم تكتسي أردية جديدة؛ ليس أقلها شأناً- على كل حال- نزعة (المواطن العالمي).
ولعلنا لو أردنا تحديد العامل الذي أسرع بالعالم إلى هذا الوضع، لما وجدنا غير العامل الصناعي، فلقد ألغى ذلك العامل المكان، فلم تعد تفصل بين الشعوب مسافات سوى مسافة ثقافاتها.
ومن المؤسف أن نقول: إن هذه المسافة قد اتسعت ففرقت مصائر البشر بعضهم عن بعض، ونظرة إلى ذلك البائس الفقير الذي يعيش بالجزائر، ولا يحمل أحد من الناس هم تعليمه، ترينا البون الهائل بينه وبين نظيره الذي يحلل الذرة في أمريكا وفي روسيا. فالعلم قد ألغى المسافات الجغرافية بين الناس، ولكن هُوىً سحيقة قد بقيت بين ضمائرهم.
هكذا يتعارض الواقع مع الفكر، بينما الأرض قد أصبحت كرة جد صغيرة، سريعة الالتهاب، لو شبت النار في أحد طرفيها لامتدت إلى الطرف الآخر، ولذلك لم يعد ممكناً تقسيم المشكلات والحلول، وبالتالي انتهاج سياسة أوربية في جانب، واستعمارية في جانب آخر.
فالصراع في الهند الصينية الذي لم يكن، منذ عشرين عاماً فقط، قد تخطى حدوده الجغرافية، قد أصبح اليوم ذا طابع عالمي، يشعر بل يهتم به حمالو ميناء وهران، باعتبارهم من المستعمَرين، كما يهتم به الياباني باعتباره مستهلكاً للأرز. فالعالم قد انقلب رأساً على عقب، فبدأت بذلك صفحة جديدة في التاريخ عنوانها:((إما أن تكون الإنسانية وحدة أو تفنى)) فهل يا ترى سيجد قادة العالم حلاً سعيداً يحسم هذا الاختيار حسماً سليماً؟ ..
إن أعمالنا تدلنا- والحسرة تهدد قوانا- على أنهم طائفة من الرسامين، خامرهم النوم، وأيديهم ما زالت تحرك أقلامهم محاولة رسم بناء نخره البلى، بينما