التي ما زالت في ضمير المقادير ستنصهر في (النهضة التيمورية) ولكن هاتين النهضتين- على الرغم من عظمهما- كانتا مختلفتين، فلم يكن مغزاهما التاريخي واحداً؛ كانت الأولى فجراً يفيض على عبقريات جاليلي وديكارت وغيرهما، بينما كانت الأخرى شفقاً يغلف الحضارة الإسلامية لحظة أفولها.
كانت إحداهما بداية نظام جديد، وكانت الأخرى نهاية نظام دارس، وما كان شيء في الأرض يستطيع أن يدفع عن العالم الليل، الذي أخذ يبسط سلطانه آنئذ على البلاد الإسلامية في هدوء، فلو أن تيمورلنك كان قد اتبع دوافعه الشخصية لما استطاع شيء أن يحول دون نهاية الحضارة الإنسانية.
ومهما يكن من شيء، فإن مضمون هذه الأحداث التاريخية، ليس بالبساطة التي تظهر لأعين الذين لا ينظرون إلى الأشياء إلا من وجهاتهم الفردية أو القومية، فهناك حسب تعبير إقبال (خطة للمجموع) هي التى تكشف عن اتجاه التاريخ.
وعلى أساس هذه الخطة العامة للإنسانية ولحضارتها، ندرك المعنى الكامل، أو المغزى الميتافيزيقي للأحداث.
لماذا حال تيمورلنك دون قيام بايزيد وطغطاميتش بنشر الإسلام في قلب أوربا .. ؟
والجواب: لكي تتابع أوربا المسيحية جهدها الحضاري الذي لم يكن العالم الإسلامي بقادر عليه منذ القرن الرابع عشر، لأنه كان في نهاية رمقه، فملحمة الامبراطور التتري تجلو غاية التاريخ، إذ كانت نتيجتها متطابقة مع استمرار سير الحضارة ودوامها، كيما تتعاقب دوراتها، ويتم الكشف الخالد عن العبقريات التي تتناوب على طريق التقدم.
فدورة من دورات الحضارة تولد في بعض الظروف النفسية الزمنية، ثم تنمو