إن ألوان نشاط الفرد وأفكاره في كل مجتمع تنسج دائماً على منوال الوراثة، ويكفينا أن ننظر إلى طفل يلعب لكي ندرك أهمية الوراثة الاجتماعية، وقوتها الموجهة، فتقاليد المجتمع تتمثل في لعب الطفل، الذي يعد صورة أولية فطرية من النشاط الإنساني.
ويمكننا أن نرى هذه الصفات أينما توجهنا، حيث تأخذ الحياة الاجتماعية خلال القرون الأشكال الجمالية والأخلاقية والفنية نفسها.
فإذا ما درسنا أوجه النشاط في بلد معين، وجب علينا لكي نفهمها أن نردها إلى إطار حضارة، تستمد منها الحياة أشكالها، ويشكل فيها الفرد دائماً أفكاره وضروب نشاطه، على المنوال الذي صنعته القرون والأجيال.
وليس من قبيل المصادفة أن نرى (الحاوي) يجمع حوله الأطفال في سمرقند وفي مراكش، وهو يلوح لهم بثعابينه، إن معنى هذا أن مشكلة العالم الإسلامي واحدة- لا أقول في أشكالها السياسية أو العنصرية، وإنما في جوهرها الاجتماعي- هذا الرأي يتيح لنا، بل يفرض علينا وضع المشكلة في نطاق التاريخ؛ وعليه فليس من باب اللعب بالألفاظ، بل من الضرورة المنطقية، أن نقرر هنا أن العالم الإسلامي لا يعيش الآن في عام ١٩٤٩م، بل في عام ١٣٦٩هـ.
وإنا لمضطرون إلى أن نؤكد هذا التاريخ، لأنه يسجل نقطة انطلاق في (تطور تاريخي) ترجع إليه سائر مشكلات العالم الإسلامي، وأشكالها المختلفة التي تسمى هنا (مشكلة جزائرية)، وهناك (مشكلة جاوية)، فالقاسم المشترك في هذه المشكلات جميعاً هو- في الواقع- المشكلة الإسلامية، وتسلسلها التاريخي منذ الهجرة. ولو أننا ترجمنا حركة هذا التسلسل إلى منحنى بياني، فربما رأيناه في بعض مراحله- عصر ابن خلدون مثلاً- يتجه إلى أسفل، وهذه النقطة هي التي تسجل انقلاب القيم الإسلامية الحقة إلى أشياء لا قيمة لها.