لم يكن الانقلاب فجائياً، إذ هو النهاية البعيدة للانفصال الذي حدث في (صفين)، فأحل السلطة العصبية محل الحكومة الديمقراطية الخليفية، فخلق بذلك هوة بين الدولة وبين الضمير الشعبي، وكان ذلك الانفصال يحتوي في داخله جميع أنواع التمزق، والمناقضات السياسية المقبلة في قلب العالم الإسلامي.
فإذا ما تناولنا الظواهر من جانبها السياسي، وجدنا أن هذا الانفصال الأول إنما كان إحدى (الأزمات) التي تغير نظام بلد معين خلال التاريخ. لكن يأتي يوم ينعدم فيه الفرد القادر على حفظ السلطان، الفرد القادر على تولي الأمر وتسويته على نظم جديدة، وحينئذ يخر الصولجان من تلقاء ذاته فينحطم، ويستحيل إلى (صويلجانات) يتلقفها صغار الملوك.
هذه اللحظة هي نقطة الانكسار في منحنى التطور التاريخي، وهي لحظة انقلاب القيم داخل حضارة معينة.
وهنا لا نواجه تغيراً في النظام السياسي، بل إن التغير يصيب الإنسان ذاته، الإنسان المتحضر الذي فقد همته المحضِّرة، فأعجزه فقدها عن التمثل والإبداع.
وليس من الصواب أن نبحث عن النظم، بل عن العوامل الإنسانية المتمثلة في عجز الناس عن تطبيق مواهبهم الخاصة على التراب والوقت.
إن التركيب الأساسي نفسه قد تحلل فتحللت معه الحياة الاجتماعية، وأخلت مكانها للحياة البدائية.
ويؤرخ لتلك الظاهرة في التاريخ الإسلامي بسقوط دولة الموحدين، الذي كان في حقيقته سقوط حضارة لفظت آخر أنفاسها.
ثم يبدأ تاريخ الانحطاط بإنسان ما بعد الموحدين، ففي عهد ابن خلدون استحالت القيروان قرية مغمورة، بعد أن كانت في عهد الأغالبة قبة الملك، وقمة