للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الأبهة، والعاصمة الكبرى التي يقطنها مليون من السكان، ولم يكن حظ بغداد وسمرقند خيراً من ذلك؛ لقد كانت أعراض الانهيار العام تشير إلى نقطة الانكسار في المنحنى البياني.

فإذا نظرنا إلى هذا الوضع نظرة اجتماعية، وجدنا أن جميع الأعراض التي ظهرت في السياسة أو في صورة العمران، لم تكن إلا تعبيراً عن حالة مرضية يعانيها الإنسان الجديد- إنسان ما بعد الموحدين- الذي خلف إنسان الحضارة الإسلامية، والذي كان يحمل في كيانه جميع الجراثيم التي سينتج عنها في فترات متفرقة جميع المشاكل التي تعرض لها العالم الإسلامي منذ ذلك الحين. فالنقائص التي تعانيها النهضة الآن، يعود وزرها إلى ذلك الرجل الذي لم يكن طليعة في التاريخ، فنحن ندين له بمواريثنا الاجتماعية، وبطرائقنا التقليدية التي جرينا عليها في نشاطنا الاجتماعي، ليس ذاك فحسب، بل إنه يعيش الآن بين ظهرانينا، وهو لم يكتف بدور المحرك الخفي الذي دفعنا إلى ما ارتكبنا من خيانة لواجبنا، وأخطاء في حق نهضتنا، بل لقد اشترك معنا في فعلنا؛ لم يكتف بأن بلغنا نفسه المريضة التي تخلقت في جو يشيع فيه الإفلاس الخلقي والاجتماعي والفلسفي والسياسي، فبلغنا ذاته أيضاً.

هذا الوجه المتخلف الكئيب ما زال حياً في جيلنا الحاضر، نصادفه في المظهر الرقيق البريء الذي يتميز به فلاحنا الوديع القاعد، أو راعينا المترحل، المتقشف المضياف.؟ نصادفه في المظهر الكاذب الذي يتخذه ابن أصحاب (المليارات) نصف المتعلم، الذي انطبع في الظاهر بجميع أشكال الحياة الحديثة، فأكسبه (مليار) أبيه وشهادة (البكالوريا) مظهر الإنسان العصري، بينما تحمل أخلاقه وميوله وأفكاره صورة (إنسان ما بعد الموحدين).

وطالما ظل مجتمعنا عاجزاً عن تصفية هذه الوراثة السلبية التي أسقطته منذ ستة قرون، وما دام متقاعساً عن تجديد كيان الإنسان طبقاً للتعاليم الإسلامية

<<  <   >  >>