للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

المبدأ، والمسلم حتى مسلم ما بعد الموحدين، لم يتخل مطلقاً عن عقيدته، فلقد ظل مؤمناً، وبعبارة أدق ظل مؤمناً متديناً، ولكن عقيدته تجردت من فاعليتها، لأنها فقدت إشعاعها الاجتماعي فأصبحت جذبية فردية، وصار الإيمان إيمان فرد متحلل من صلاته بوسطه الاجتماعي. وعليه فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية، وتأثيرها الاجتماعي، وفي كلمة واحدة: إن مشكلتنا ليست في أن (نبرهن) للمسلم على وجود الله، بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده، ونملأ به نفسه باعتباره مصدراً للطاقة.

وتغيير النفس معناه إقدارها على أن تتجاوز وضعها المألوف، وليس هذا من شأن (علم الكلام) بل هو من شأن منهاج (التصوف)، أو بعبارة أدق، هو من شأن علم لم يوضع له (اسم) بعد، ويمكن أن نسميه (تجديد الصلة بالله). والتصوف الذي قاد إلى دروشة المرابطين وشعوذتهم، لا يمكن أن يقدم لنا الأساس الضروري للإصلاح، عندما نحث جهودنا إلى النهضة، فهو لا يستهدف سوى تطهير بعض الأنفس من الخطايا، على حين يهدف الإصلاح إلى توفير الدافع الداخلي لدى جماهير الشعب، تلك الجماهير المتعطشة إلى (انتفاضة القلب)، كيما تنتصر على ما أصابها من خمود (١).

وربما لم تكن هذه الاعتبارات، لتخفى عن أعين القائمين على المدرسة الإصلاحية، لو أنها استطاعت أن تقوم بتركيب أفكارها، وتجميع عناصرها، لتوحد ما بين الأفكار الأصول التي ذهب إليها الشيخ محمد عبده، وبين الآراء


(١) تحدث (شيرسترتون، Chersterton) عن الفوضى الروحية التي تعانيها أوربا الحديثة فأطلق عليها لقب (التصوف الحديث) حين قال: ((لقد أخذت أوربا في العودة إلى التصوف، ولكن من غير طريق المسيحية، فكان أن عاد إليها تصوف يحمل معه سبعة شياطين أقوى منه بأساً)). وهذا الحكم ينطبق مع بعض التعديلات على طريقة المرابطين في مجتمع ما بعد الموحدين.

<<  <   >  >>