الفاعلية، حتى لقد تحولت الحقائق الحية، التي شكلت فيما مضى وجه الحضارة الإسلامية، إلى حقائق خامدة مدفونة في جمل رائقة، (وعلم غزير).
ويبدو أن المثل الأعلى قد ظل، كما كان منذ عصر الانحطاط؛ أن يصبح المرء (بحر علم)، يزدرد العلم ويفقد معنى دوره الاجتماعي. وأي، درس في التفسير يتيح لنا ملاحظة تفاهة ثقافتنا الراهنة، التي استعبدتها الألفاظ، فلم تعد تعبر عن اهتمام بالعمل، بل عن مجرد الشهوة إلى الكلام.
وهناك سبب آخر لانعدام الفاعلية التي وصمت بها نزعة المديح العمل الفكري؛ فحين اتجهت الثقافة إلى امتداح الماضي أصبحت ثقافة أثرية، لا يتجه العمل الفكري فيها إلى أمام بل ينتكس إلى وراء. وكان هذا الاتجاه الناكص المسرف سبباً في انطباع التعليم كله بطابع دارس لا يتفق ومقتضيات الحاضر والمستقبل، وبذلك أصيبت الأفكار بظاهرة التشبث بالماضي، كأنما قد أصبحت متنفساً له.
ولكي نختتم تلك اللوحة التي بسطنا عليها مساوئ ثقافة ما بعد الموحدين، يجب أن نضيف نقيصتين هما: التعلق الواهم (بالكم)، ونلحظه حتى عند الذين احتكوا بالثقافة الغربية، والنزوع إلى (الشعر)، وقد انفردت به شبيبة جامعة الزيتونة، تلك التي ارتضعت لبان الثقافة القديمة.
ومن شأن النزعة (الكمية)، أن تعوّد المرء النظر إلى فاعلية الشيء وإلى قيمته من خلال الكمية أو العدد، فتجده يقوِّم كتاباً ما بعدد صفحاته المكتوبة. أما النزعة (الشعرية) فتقصد إلى الناحية الجمالية، وإلى (البديع) الذي تتصف به حرفة الثقافة ونزعة المديح. وتلك وسيلة رشيقة مناسبة تخفي مواضع النقص والاختلال، فتجمل الأخطاء، وتستر العجز بستار من البلاغة المزعومة.
وغني عن البيان أن هذه النقائص التي حللناها، لم تكن لتعين جهود