الموحدين، حين أقحمت في الضمير الإسلامي فكرة مأساته المزمنة، وإن كان ذلك قد اقتصر على المجال العقلي، فإذا ما أريد للنهضة أن تبرز إلى عالم الوجود، فإن علينا أن نواجه مشكلة الثقافة في أصولها.
لقد ذكرنا فيما مضى، أن التطور المعروف باسم (الحضارة الإسلامية)، لم يكن في الواقع سوى محاولة للتوفيق بين واقع الأمر المتخلف عن (صفين) وبين ما جاء به الإسلام، ولقد جهدت مدارس الفقه لتحقيق هذا التوفيق، ووقف الأئمة في وجه الحكم الملكي- غير الإسلامي- المتعصب المستبد، حتى إننا نرى أن الحضارة الإسلامية آنذاك لم تنشأ عن مبادئ الإسلام، بل إن هذه المبادئ هي التي توافقت مع سلطة زمنية قاهرة. فكل محاولة لإعادة بناء حضارة الإسلام يجب أن تقوم أولاً، وقبل كل شيء، على أساس سيادة (الفقه الخالص) على (الواقع السائد) الذي نشأ عن صفين، ولا شك أن هذا يقتضي رجوعاً إلى الإسلام الخالص، أعني تنقية النصوص القرآنية من غواشيها الكلامية والفقهية والفلسفية.
أما الحركة الحديثة، فإنها ترمي إلى قيادة العالم الإسلامي في طريق غاية في الاختلاف عن هذه الطريق، فقد حطمت التقاليد التي كانت تخفي جهالة ما بعد الموحدين، ولكنها لجأت أحياناً إلى العنف، وهو ما حدث على يد الحركة الكمالية في تركيا.