للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يحاول تعديل سلوكه وإصلاح نفسه، فهو كامل كمال العقم، أو كمال الموت أو العدم، وبذلك تختل حركة التقدم النفسي في الفرد والمجتمع، فإذا بالذين اطمائوا لفقرهم الروحي، ولنقصهم النفسي، يصبحون قدوة في الخلق، في مجتمع تقود الحقيقة فيه إلى العدم.

والفرق كبير بين الحقيقة من حيث كونها مفهوماً نظرياً يتسم به الإدراك المجرد، وبين كونها حقيقة فاعلة مؤثرة تلهم الإنسان أضرب نشاطه المادي.

وقد تصبح الحقيقة من حيث كونها عاملاً اجتماعياً ذات تأثير ضار، عندما لا تتمشى مع دوافع التطور والتغيير، فتصبح ذريعة إلى الكساد الفردي والاجتماعي، وحينئذً لا تكون ملهمة للنشاط، بل عاملاً من عوامل الشلل.

وقد تكون هذه الحقيقة أساساً لعالم عاجز أشل، من نوع ما ندد به (رينان) و (لامانس) في قولتهما الشنيعة عن الإسلام: إنه (دين الركود والتخلف)؛ هذا الشلل الأخلاقي، وهو بلا مراء أخطر ما تخلف عن عصر ما بعد الموحدين، يعجز المجتمع الإسلامي فيجعله غير قادر على زيادة جهده الضروري لنهوضه، وما الشلل الفكري إلا نتيجة من نتائجه: فالكف عن التكامل الخلقي ينتج حتماً كفاً عن تعديل شرائط الحياة، وعن التفكير في هذا التعديل.

وهكذا يتجمد الفكر ويتحجر في عالم لم يعد يفكر في شيء، لأن تفكيره لم يعد يحتوي صورة الهم الاجتماعي.

إن (التقليد) الخلقي يقتضي التخلي عن (الجهد الفكري) حتماً، أي عن (الاجتهاد) الذي كان الوجهة الأساسية للفكر الإسلامي في عصره الذهبي (١).


(١) كان من تعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من اجتهد فأخطأ فله أجر، ومن اجتهد فأصاب فله أجران». (البخاري ٦/ ٢٦٧٦).

<<  <   >  >>