للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولقد كان التجديد الذي استتبعته حركة الشيخ محمد عبده في العالم الإسلامي تجديداً أدبياً في جوهره، ولهذا لم يتحرر الفكر الإسلامي من ربقة القواعد التقليدية الخانقة، فهو من الوجهة الإصلاحية ظل منعقداً على تلك الموضوعات القديمة: كعلم التوحيد وفلسفة الكلام والفقه الإسلامي وفقه اللغة، وهو في كل هذا لم يتعد المعالم التي خطها أساتذة الإصلاح.

أما من الوجهة الحديثة فإنه قد انطلق أكثر من ذلك على يد الدكتور (طه حسين)، ومؤلفات هذا الكاتب لا تعد (نظرية) تتفرع عنها اتجاهات جديدة، ولكنها قد خلقت بطرافتها وصورتها الأدبية ضجة من الأفكار جديرة بالدرس والمناقشة، ومن هنا جدت حركة في التفكير، ولكن هذه الحركة قد ظلت مجزأة لا تربطها مفاصل.

فليس لدى العالم الإسلامي حتى الآن مجامع فكرية تشرف على توجيه الحياة الأدبية، وعلى توثيق الصلات وتغذية المناظرات بين المدارس المختلفة، كما كان ذلك قديماً بين مدرسة الغزالي ومدرسة ابن رشد.

ومن هنا حق لنا أن نقول: إن عمل الدكتور طه حسين لم يزد على أن مس الأوساط الأدبية في شمال إفريقية مساً رفيقاً، وإن عمل الدكتور (إقبال) لم يكن له أيضاً أدنى صدى.

ومن الحق أن تمزق الحياة الفكرية يرجع أيضاً إلى عوامل خارجية هي ما أطلق عليه (جب) عقدة (التسامي)، ولكن السبب الداخلي يظل هنا على أية حال- كما هو في كثير من النواحي- ذا سطوة وتفوق، بل إن الفكر في البلاد الإسلامية التي تحررت من الوصاية الاستعمارية، لم تكتمل بعد شخصيته، ولم يظفر بعد، بحقه في السيطرة على وجوه الحياة، وبقيمته الاجتماعية، باعتباره وسيلة للعمل وأساساً جوهرياً للنشاط.

<<  <   >  >>