ويطرح السؤال نفسه هل ثمة علاقة بين العلاقة الاستعمارية والحركة التبشيرية؟ وهل من الممكن أن يلتقي الجنود القساة الذين يقتلون الأبرياء ويسرقون قوت الشعوب هل من الممكن أن يلتقي هؤلاء مع الذين أمروا بمحبة أعدائهم ومباركة لاعنيهم (انظر متى ٥/ ٤٤)؟
وما الذي يجمع المبشر وهو يحمل رسالة دينية مع المستعمر الذي يحمل رسالة دنيوية؟ وهل اللقاء بين الجانبين مجرد لقاء عابر فرضته ظروف وحدة المنشأ بين التبشير والاستعمار (أوربا) أمر أن هناك علاقة حقيقية تجمع هاتين الحركتين؟
وفي الإجابة عن هذا كله نقول بأن التبشير والاستعمار وجهان لعملة واحدة، فالمبشرون هم الواجهة الدينية للمستعمر، والاستعمار هو الحقيقة الاقتصادية والسياسية للمبشرين.
وهذا الأمر يتضح عند دراسة العلاقة الحميمة بين الحركتين اللتين تزامنتا طوال التاريخ المسيحي، بل إن الحروب الصليبية التي شنت على العالم الإسلامي طوال قرون طويلة هي حلقة من سلسلة الترابط والوحدة بين التبشير والاستعمار، فلقد قام ملوك أوربا بتلك الحروب بمباركة الكنيسة، ولبى الأوربيون نداء الملوك لهذه الحروب طمعاً في الملكوت الذي وعدهم به بابوات الكنيسة.
وقد بدأت خطوات الاستعمار تدب من جديد مع بداية حركة الكشوف الجغرافية التي قادها الأسبان والبرتغال، وانطلقت سفنهم تمخر البحار وهي ترسم على أشرعتها شعار الصليب.
وقد أصدر البابا نيقولا الخامس مرسوماً في عام ١٤٥٤م يعطي البرتغاليين حقاً في أراضي حقاً في أراضي الكفرة على الساحل الغربي لإفريقيا، وأكد ذلك البابا كالكستس الثالث عام ١٤٥٦م، ثم أصدر البابا اسكندر الثالث في عام ١٤٩٣م مرسوماً يمنح التاج الأسباني الحق المطلق في المتاجرة مع البلاد التي اكتشفت، ووضع قيداً، وهو أن تجلب تلك الشعوب إلى المسيحية. (١)
(١) انظر: أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها، عبد الرحمن حبنكة الميداني، ص (١٧٠ - ١٧٢)، حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر، أحمد عبد الوهاب، ص (١٢٩).