"ولكني أقول لكم: إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه ... حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان "(متى ١٧/ ١٢ - ١٣).
ومن التحريف قولهم أن المعمدان أخبر أن القوي الذي بشر بقدومه بعده هو المسيح "ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه .. وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي"(يوحنا ١/ ٢٦ - ٤٠).
ودعوانا التحريف ليس مردها عدم اتفاق هذه النصوص مع المسألة التي نحن بصدد إثباتها، بل مرده أن يوحنا المعمدان أنكر أن يكون هو النبي إيليا الممهد بين يدي السيد القادم، فقد نفى هو ذلك عن نفسه لما جاءه رسل اليهود من الكهنة واللاويين " ليسألوه من أنت؟ فاعترف ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح.
فسألوه إذاً ماذا؟ إيليا أنت؟ فقال: لست أنا. النبي أنت؟ فأجاب: لا " (يوحنا ١/ ١٩ - ٢١)، فهذا نص صريح ينكر فيه يوحنا أنه إيليا الممهد للطريق، كما هو ليس المسيح المنتظر أو النبي القادم.
ويلزم من قول المعمدان تكذيب المسيح في قوله بأن إيليا قد جاء أو أن يكون المعمدان كاذباً حين أنكر أنه إيليا، أو يلزم القول بأن التلاميذ لم يفهموا كلام المسيح، وهذا الأخير هو الأولى، فقد أخطأ متى حين قال:" حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان "، لقد ظنوا أنهم فهموا، بينما الحقيقة أنهم لم يفهموا، لقد كان يحدثهم عن نفسه، فهو النبي القادم الذي يهيئ الطريق للقادم المنتظر " هأنذا أرسل ملاكي، فيهيء الطريق أمامي، ويأتي بغتة إلى هيكله السيدُ الذي تطلبونه، وملاك العهد الذي تسرون به، هو ذا يأتي، قال رب الجنود".