ثم إن صفات إيليا لا تنطبق على المعمدان، لأنه يأتي بعد المسيح، فقد قال المسيح عنه:" إيليا المزمع أن يأتي" والمسيح والمعمدان متعاصران.
وعندما يأتي إيليا فإنه " يرد كل شيء "، و " فيرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم "، ومثل هذا لم ينقل عن المعمدان الذي عاش في الصحراء، طعامه الجراد والعسل، ولباسه وبر الإبل، وغاية ما صنعه تعميد من جاءه تائباً. (انظر متى ٣/ ١ - ٥).
ولا يمكن التسليم بأن المعمدان كان تمهيداً للمسيح، إذ كيف يقال ذلك، والمعمدان قبيل مقتله - حسب الأناجيل - لا يعرف حقيقة المسيح، ويرسل تلاميذه ليسألوا المسيح " أنت هو الآتي أم ننتظر غيرك؟ "(متى ١١/ ٣).
فكيف يقال بأنه أرسل بين يديه، وهو لم يعرف حقيقته؟ ثم ماذا صنع يوحنا بين يدي مقدم المسيح؟ هل صنع شيئاً يتعلق بالمهمة التي تزعمها الأناجيل له؟
لم يرد عنه سوى البشارة بالملكوت كما بشر به المسيح بعده. (انظر متى ٣/ ١) كما كان يعمد الذين يأتونه معترفين بخطاياهم. (انظر متى ٣/ ٦)، وهذا الذي صنعه المسيح أيضاً، وهو ما يؤكد أن دعوتهما واحدة، ألا وهي البشارة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - نبي الملكوت، كما قال:" فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشر المدن الأخر أيضاً بملكوت الله، لأني لهذا قد أرسلت"(لوقا ٤/ ٣٤)، فقد أرسل للبشارة بالملكوت القادم، فهو ممهد ومبشر بين يديه.
والحق أن المعمدان وعيسى صاحبا دعوة واحدة، أي كلاهما بعث مبشراً بالنبي الخاتم، فهما المبشِران بالنبي الخاتم، والذي أسماه متى بملكوت السماوات، فقد بشر باقتراب عصره النبي يوحنا المعمدان، " جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات "(متى ٣/ ١ - ٢).