للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

متناقضاً، وأستطيع منذ تلك الفترة أن أُعَرَّفَ بنفسي ثورياً من الوجهة السياسية محافظاً من الوجهة النفسية. وفي كل مرة كان الماضي ينتقم من الضربات التي أكيلها له. فثوري محافظ ذلك تعريف لا يعطي كل تفسير لذاتي فالأمر أكثر تعقيداً من ذلك. فأنا شديد التأثر بالحدث، وأتلقى صدمته بكل مجامعي وبانفعالية تستطيع أن تنتزع مني دموع الحزن حين يثير الحدث الحبور من حيث المبدأ.

ومرة في حزيران (يونيو) من عام ١٩٤٠ وفي كهف لجأنا إليه في ( Dreux) حين دخل الجيش الألماني، تواريت حتى أخفي دموعي. لقد بكيت هزيمة الجيش الفرنسي. وفي ذلك اليوم رأيت في ذاتي عنصراً آخر كشف كل التعقيد في ضمير مسلم.

في حزيران عام ١٩٢٥. وحينما أعلن (دورنون Dournon) النتيجة لم أبكِ، إنما اقتحم نفسي حزن كبير وبقيت ساهماً على باب المدرسة أَصِيلَ ذلك اليوم.

هذه المدرسة التي كنت أعدها سجناً نتعلم فيه تحرير واقعة زواج أو طلاق، كما يتعلم نزلاء السجون صنع الفراش، ها هي ذي تطلق سراحي.

والآن، فإنني أشعر بأنها تركتني وأسلمتني إلى الشارع، إلى الحياة التي تضع أمامي علامات استفهام لا أجد لها الجواب.

على مدخل المدرسة لم أجد في ذهني أي جواب على سؤال (ما العمل)؟ هناك فكرة خطرت لي ودخلت غرفتي لتنفيذها حيث لا يوجد أحد. فغرف المنامة أضحت فارغة حين ذهب الجميع بعد إعلان النتائج بين مبتهج بنجاحه، أو من يُسَرّي عن نفسه عناء الألم.

ولقد أوحى إلي بفكرتي ذلك الحنين إلى الآفاق البعيدة. فقد كتبت لرجل

<<  <   >  >>