للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

اليهودي لم نتردد في قبول الحل الثاني، لكن نفقات السفر من مرسيليا إلى ليون لم تكن ضمن ترتيباتنا المالية، فبدت هذه مشكلة أمامنا لابد أن نحلها.

ومن عادة اليهودي أن يعرف كل شيء. فهو خبير بمسالك الحياة البائسة حين يكون فقيراً وحين يكون من أصحاب الملايين مثل (ستافيسكي Stavesky)، يعرف تماماً كيف يلج أبواب القصور الكبيرة.

لذا أخذنا هذا اليهودي إلى شارع يبيعون فيه الأشياء القديمة المستعملة، وهناك تخليت عن معطفي الجديد لقاء ثلث ثمنه وكان ذلك كافياً حتى نتابع سفرنا إلى ليون.

كانت ساعات بعد الظهر كلها نقضيها في مرسيليا قبل أن نسافر، إلا أن القلق أخذ يسيطر علينا- أنا وصديقي- كلما تكشفت لنا حقيقة الفرص التي تمنحها المدينة (للجزائريين) القادمين إلى فرنسا.

لم تكن بعد قد ابتكرت كلمة ( Monzami) للإشارة إليهم. إذ كان الناس لا يزالون يعيشون تحت تأثير اللياقات التي سادت زمن الحرب العالمية الأولى، حين كان الفرنسيون يطلقون لفظة (سيدي) على كل جزائري. لكنه مع نهاية الحرب أخذت هذه الكلمة تفقد معناها الأصلي، وغدت تعبيراً عن ازدراء السكان الفرنسيين للعمال الآتين من منطقة التل أو الهابطين من الهضاب المرتفعة.

كان هؤلاء الجزائريون يفدون إلى فرنسا بصورة غير مشروعة بالمئات والآلاف، فيؤدي بهم ذلك إلى مزيد من البطالة. وهكذا يؤلفون الرصيد الاحتياطي لسوق العمل في الحاجات القذرة أو الموسمية.

ذلك أن كبار المعمرين الأوربيين في الجزائر الذين كانوا يخططون للسياسة الفرنسية في هذا الحقل، قد أدركوا الخطر الذي يتهدد مصالحهم من جراء هجرة اليد العاملة الوطنية إلى فرنسا.

<<  <   >  >>