للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- من أين جاء الإخوان؟ قال ذلك صوت ربما كان هو الذي دفع عنا ثمن الشاي.

هكذا بدأ الحديث يمتد من طاولة إلى أخرى في ذلك المقهى العربي الذي توزعت فيه دعامات مربعة من الخشب ربما دعمت سقف خان من قبل.

جاء صاحب المقهى يجلس بيننا وقد اتكأ بمرفقيه على الطاولة ورأسه بين يديه. سألنا: ما هي أخبار الريف؟. كنت مهتماً بالموضوع ولذا فإن كل من في القاعة توقف عن اللعب وعن الكلام كيما يصغي إلي.

وإنني أتساءل اليوم ما إذا كان الزعاء الجزائريون من أبناء جيلي وأولئك المثقفون الذين يدعون (المالتزام)، عرفوا حقاً الشعب الجزائري وأدركوا عواطفه وأفكاره في أحاديثه المختلفة حتى في دقائق صمته.

إنهم بالتأكيد يعرفون كيف يستخدمونه وهم يستغلونه بكلمات وأقوال، كانت السلطة الفرنسية تعرف كيف تزيد من تأثيرها ومفعولها في الناس بأساليب شيطانية يدركها أولئك الزعماء أنفسهم.

لكن قليلاً منهم من التزم خدمته وعاش مأساته، يأكل خبزه الأسود ويذوق لسعات القمل الذي يعشعش في أكواخه وبيوته المصنوعة من الصفيح.

لقد كان أولئك الزعماء وأولئك (الملتزمون) يعيشون وَهْماً صيغ بكلمات ملفقة بمفردات أجنبية، بعضهم يقول إنه وارث (فولتير Voltaire) والآخر يقول إنه وارث (تروتسكي). هذا الوهم كان هو (الجزائر) وهو الشعب الجزائري في أذهانهم.

أما الجزائر الحقيقية وشعبها فهما غريبان عنهما تماماً. لقد كانوا كالدودة الغريبة عن الثمرة لكنها تدخل إلى لبها لتتغذى منها.

<<  <   >  >>