للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان السفر على الرغم من ذلك يحتفظ بمتعته في سائر الوجوه. وأظن أن البلاد الإسلامية وخصوصاً الجزائر هي من دون البلاد الأخرى، قد بقيت فيها حياة الفلاح التي اكتسبت نمطها عبر القرون سالمة من الاضطراب، لم تفقد قيمتها في أي ظرف من الظروف.

فالرجل الذي نأتي لننفذ فيه حكماً يلمح قدومنا من بعيد. وهو يعلم لأي سبب أتينا إليه، لكنه سرعان ما يطلب إلى زوجه أن تعد القهوة (للضياف). فنحن ضيوفه ونزلاؤه، وحينما نصل يكون ضباب الصباح قد انقشع في الفصل الغائم، أو تكون الشمس ما تزال باردة إذا كان الجو صيفياً، فكنا نفضل البقاء خارجاً في كلا الحالين.

لكن الرجل يلحق بنا ويصر أولاً على تشريفه في خيمته أو كوخه.

وإذ كان السي (الجودي) يعلم أن الزوج الفلاحة تروح وتجيء في أشغالها، فقد كان يشرح لزوجها أنه يفضل التنفس في الهواء الطلق رغبة منه في عدم إزعاجها. وكنت أنا نفسي قد حفظت بتأثير ساعات الرياضة التي أكرهني عليها (دورنون) بعض حركات الشهيق والزفير.

تنشقت ملء رئتي الأوكسيجين، وشهيقي وزفيري أضحكا السي (الجودي)، كما ضحكت جدتي زليخة حينما رأتني أعقد ربطة العنق أو أشد حزام وسطي وهي تقول: ((إنك تحزم نفسك كالبغل)). فهذا الجيل القديم الذي لبس الثياب الواسعة يتنشق ويأكل ببساطة ولا يحب التصنع.

حمل الرجل القهوة وشرعنا نتحدث بهدوء حول أسعار الغنم والمواسم المقبلة. وبعد احتساء القهوة بدأنا الحديث عن مهمتنا في تنفيذ الحكم.

الرجل لم يغير لهجته ولا تعامله معنا. وإنني الآن أعلم أن المسلم قد احتفظ

<<  <   >  >>