للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وامرأة عجوز من الزاوية تبرعت بديك معتذرة بأن ذلك هو كل ما لديها. كُلٌّ قد أسهم بحسب قدرته. وكان هنالك من أسهم لكي يراهن على المستقبل. فالمستقبل حتى تلك اللحظة كان في اتجاه إرادة الشعب. فكان للمرء أن يصبح مكافحاً في سبيل الإصلاح لخدمة هذا الشعب أو لاستغلاله.

حتى (المقدم) الشريف الوقور مقدم الطريقة القادرية في تبسة، أقفل زاوية تبسة بمحض إرادته ووضع المفتاح تحت الباب ليصبح معلماً بسيطاً للقرآن في المدرسة.

و (باهي) لم يعد يستطيع أن يقذف (البندير (١)) في الفضاء بطريقة بهلوانية، وقد تعود أن يضرب عليه ضرباً يهدئ به الغضب الذي كان يحدث له مثيله وهو يضرب على الطبل قبل تسريحه من الجيش.

فهذا القَنَّاص العجوز أضحى إصلاحياً ومقهاه غدا مركزاً للدعاية الإصلاحية. الحديث حول الأفكار الجديدة بلغ مداه حتى في العائلات. فأمي أضحت ذات نزعة إصلاحية وأبي أيضاً، وجدتي الحاجة (زليخة) كانت تستمع إلى المناقشات ثم تتجه إلى التسبيح بسُبحتها. وصهري زوج أختي الكبرى بقي جامداً على حالاته المرابطية. وهذا ما أورث البرود بيني وبينه، بينما لم يكن لزوج أختي الصغرى مشاركة في هذه الأمور.

في المدينة أضحى النادي القلب الذي تنظم نبضاته جريان الأفكار وانتشارها. فالتبسيون كانوا يجتمعون فيه في الظروف التي تهم الناس جميعاً. وكان رجال القبائل اليحياوية والليموشية يترددون عليه أيضاً حين يؤمون سوق المدينة، وكانوا يحملون معهم الأفكار التي ينشرونها، ليبذروها في الدواوير خلال السهرات تحت الخيمة كما تنقل أسراب النحل رحيق الأزهار حين تمتصها.


(١) المزهر في بلادنا.

<<  <   >  >>