للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأحياناً كنت أفرَ بنفسي إلى مقهى يديره (مستعمر) عربي مؤثراً الحصير والدومينو.

هنا كان لي صحبة آخرون يلعبون بالورق ( La ronda) حتى منتصف الليل. وكان ثمة ساعٍ للبريد يقص حكايات من نسج خيال كفيل بأن يُغْني أعمال الروائي الإنكليزي (كونن دويل Conan Doyle (١)) ويرفدها بالمزيد. كان ساعي البريد هذا ذا فن في حبك الروايات يتجاور التصور.

لقد كانت الحياة الثقافية في (شاتودان Chateaudin) تتلخص في تجشؤات (اليانسون) وحَلِف لاعبي الورق، وحكايات الأشباح.

كانت طباختي اليهودية وحدها تذكرني بشيء إنساني في هذا الوسط غير الإنساني. وأعتقد أنها استشفّت ما يدور في خلدي من أفكار. وكانت من حين إلى آخر تسألني عما أرغب فيه من طعام. وكان يحزنها عدم اكتراثي بشؤون ألوان الطعام وتذوقها حين أجيبها:

- آه تعلمين أن طبخك رائع، وأنا حيال ألوانه ليس لي شيء خاص. في خاتمة المطاف لم أستطع البقاء أكثر مما بقيت. وقد وقع لي حادث مع كاتب بمحكمة الصلح كورسيكي الأصل كان النقطة التي طفح بها الكأس.

كان يكيده أن (جزائرياً Indigène) لا يحييه وهو يلتقي به في الطريق. وكنت فعلاً لا أحييه لأنني لاحظت بأنه هو الآخر لا يرد التحية.

وهكذا سمح الكاتب لنفسه أن يستدعي إلى مكتبه سائر أعضاء المحكمة واحداً تلو الآخر، واستدعاني في آخرهم. وحين دخلت مكتبه وجدت القاضي والباش عدل واقفين أمام مكتبه. فاتخذت على الفور قراري: أستقيل ولكن بعد أن ألقِّنَ هذا الشخص درساً.


(١) قصاص روائي إنكليزي ولد سنة ١٨٥٩ (ترجمة قنواتي).

<<  <   >  >>