أقوم برحلات أبعد في ذلك الجزء من المنطقة التبسية حيث تبدأ الصحراء. وكنت أعود منها أسود كالفحم. كان ذلك في صيف عام ١٩٣٠.
في الجزائر كانت الإدارة تهيئ لأعياد مئة عام من استعمار الجزائر. وقد احتدم الجدل بين المندوبين الماليين حول استعمال الميزانية المخصصة لهذه الأعياد.
طالب الناس باستعمال هذه المبالغ لبناء المدارس لكن المستعمرين لم يعيروا أذناً لهذا الطلب. والمحافظ (بورد Bordes) الذي قالت ألسنة السوء إنه احتفظ لنفسه بجزء لا بأس به منها، قرر أن يستعمل الباقي في إعداد الملابس العسكرية التي تعود لعام ١٨٣٠، للعرض الذي سيقام يوم الاحتفال المئوي بتلك الذكرى.
في ذلك اليوم قررت عدم الخروج من منزلي. سمعت الفرقة الموسيقية تجوب المدينة في الليل، بينما كانت جدتي لأمي تسبح بسُبحتها، وأمي مستلقية على ظهرها بسبب مرضها تتأمل كعادتها في نجوم سماء تبسة الصافية. لقد شاهدت من شرفة المنزل الشهب النارية التي كانوا يطلقونها من ساحة القصبة تلك الليلة.
لقد دخلت الجرائر القرن الثاني من الاستعمار. في ذلك الزمن كنا نقرأ كتاب (إنسان يعيش على ماضيه Un homme se penche sur son passé) ولم أعد أعرف اسم مؤلفه.
لقد نال جائزة (كونكور Gon court) لذلك العام. وقرأت أيضاً كتاب ( Partir, C'est mourir un peu السفر ضرب من الموت) فقررت إذن السفر. إنه هذه المرة ليس شغفاً بالبعيد ولكنه كان قراراً محدداً. لقد أخفيت مشروعي عن أمي، ولكن شيئاً لا يخفى على قلب الأم.
وعندما كنت عائداً إلى المنزل مساءً نادتني أمي إلى غرفتها. كانت مستلقية على سريرها ولم يكن بمقدورها سوى أن تنام أو أن تقف على عكازين.