للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

امرأة عمي بهيجة، تلك المرأة التي كفلتني في طفولتي في قسنطينة وما برحت تزورنا من آنٍ لآخر في تِبِسَّة، مما كان يبعث دوماً في نفسي الشوق والحنين للأرض التي ولدت فيها.

وقد بات الآن في وسعي أن أتتبع أحاديث أفراد العائلة، وبن خلال ذلك عرفت عن طريق امرأة عمي بهيجة في إحدى زياراتها أن جدي لأبي قد عاد إلى قسنطينة من طرابلس الغرب بعد أن احتلها الإيطاليون.

فقد مرَّ زمن طويل كنت خلاله ألهو وأدرس على عادتي في تبسة قبل أن تتاح لي فرصة السفر لرؤية قسنطينة، والتعرف إلى جدي الذي لم يسبق لي أن رأيت وجهه من قبل.

في السهول المحيطة بالمدينة كانت العائلات القديمة لا تزال تعيش من عمل زراعي تمارسه فيؤمن الغذاء لها ولمواشيها. وكثيراً ما كان يشاهد القائد الصدّيق جالساً أمام داره بُعَيْد الظهر في شارع (بريزون Prison )، وكان يجلس معه بعض أصدقائه القدامى يشربون القهوة ويلعبون (الدامة). لم يعد يمارس عملاً، اللهم إلا أن يعير برنصه الأحمر القديم إلى الشبان ليلة زفافهم، وأن تقدم زوجه لعائلاتهم القِدر الكبير الذي يستعمل عادة لطبخ الكسكسي في المناسبات الكبيرة.

فمنذ أن اجتاحت الحرائق الكبيرة في عام ١٩١٢ غابات المنطقة ودمّرتها، بدأت الأوضاع الاقتصادية لهذه العائلات تسوء تدريجياً، حتى أصبحت صعبة للغاية، وبدأ التحلل الاجتماعي الذي عمّ المنطقة ينتشر حتى عبر أسوار المدينة الرومانية القديمة.

لقد بدت مدينة تبسة في ذلك الوقت تعيش حياتها المعتادة داخل أسوارها، والحدث الفريد فيها هو الانتخابات، إذ كانت المدينة تتحسس الأحداث السياسية وكانت تتنازعها زعامتان: (عباس بن حمانة) وهو مستقل، و (بن علاوة) وهو هن أنصار الإدارة.

<<  <   >  >>