للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكما كان (بن رحال) من أوائل رجال الفكرة الوطنية غربي الجزائر، فقد كان معاصره (بن حمانة) مثله في شرقي البلاد وإن لم يكن ذا شهرة واسعة. لقد تعارف الرجلان وشكلا أول وفد جزائري سافر إلى باريس في تلك الفترة، وقدم للحكومة الفرنسية بعض مطالب أبناء البلاد وقد خلف (عبابس بن حمانة) وراءه في باريس أثراً طريفاً؛ بالطبع لم يمنحه الفرنسيون الحقوق التي جاء يطلبها لبلاده، إلا أنهم على كل حال منحوه وسام الاستحقاق الزراعي؛ وحين سأله فيما بعد أحد الأوربيين في الجزائر مازحاً: ((ماذا زرعت حتى تنال هذا الوسام؟)) فأجاب: ((لقد زرعت نفوذاً في باريس)).

على أن اسم هذا الرجل قد ارتبط في تلك الفترة بقضية اغتيال سياسي هزّ كيان الإدارة الفرنسية في الجزائر وكان له وقع كبير، حتى إن أحد الكتاب الأوربيين، وضع كتاباً حول الحادث أسماه (قضية تبسة).

على أن (بن حمانة) لابد أن يُذكَر على أنه أول جزائري عمل على بعث اللغة العربية في البلاد، وبفضله ارتفعت ضمن أسوار تبسة جدران أول مدرسة.

هكذا انتعشت الحياة في المدينة فجأة وسادها جو من الصراع السياسي، إذ كانت الأيام التي تسبق الانتخابات البلدية حافلة بالنشاط، أما الأمسيات التي عقبت ظهور النتائج الانتخابية فكانت أكثر حرارة بسبب المهرجانات التي ينظمها الحزب الفائز في شوارع المدينة. ولم تكن المواكب لتكتفي بالتجوال في الشوارع والأزقة، بل كانت تتوقف أمام منازل من ينتمون للحزب الخاسر للطرق على أبوابها بالعصي.

وفي إحدى الأمسيات توقف الموكب أمام دارنا، إذ كنا من أنصار (صالح بن حمانة) الذي أخفق في الانتخابات، فكان من الطبيعي أن يتلقى بابنا نصيبه من ضربات عصي الفائزين. وهنا أود أن أعترف بأن الخوف قد تملّكني في تلك اللحظة، إذ خشيت ألا يقفوا عند هذا الحد وأن يدخلوا دارنا

<<  <   >  >>