للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويحطموا كل شيء فيه، ويحطموني أنا أيضاً بضربات عصيهم قطعاً صغيرة. ولما كان والدي خارج الدار في تلك اللحظة فقد اختبأت مذعوراً وراء أمي، التي كانت تتفرج على ما يجري في الخارج من فتحات النافذة.

كان لتبسة وجه آخر هو الوجه الشعبي، ففي (أيام السوق) كان يلذ لي أن أذهب هناك- إذا صادف يوم عطلة في مدرستي- وأستمع إلى الحكواتي، يقص بطولات سيدنا علي في الساحة قرب باب الجديد، وكان يطربني أكثر فأكثر أن أتحلق حول الحاوي وهو يرقص ثعابينه، أو أقف حول أولاد (بن عيسى) أتفرج على ألعابهم البهلوانية التي كان يزيد في بهائها حركات المهرج الذي كان يرافقهم، والذي كانوا يطلقون عليه اسم (المُسيّح).

في المساء كان الناس يتجمعون في المقاهي الجزائرية يستمعون إلى القصاصين يروون حكايات ألف ليلة وليلة أو سيرة بني هلال. أما من كانوا يفضلون البقاء في المسجد بعد صلاة العشاء فكانوا يستمعون إلى ما يلقي الإمام من دروس. وبذا كانت تبسة عبارة عن مركز ثقافي تلتقي فيه عناصر الماضي بطلائع المستقبل، وبالطبع فإن مداركي كانت تنمو متأثرة بهذين التيارين.

هكذا كانت الحياة في تبسة في تلك الحقبة من التاريخ التي أسماها الفرنسيون فيها بعد (العصر الجميل).

وذات صباح شاع في تبسة خبر اغتيال (عباس بن حمانة). وبعد أيام قلائل شاهدت المدينة آخر عيد للحرية ١٤ تموز (يوليو) يقيمه الفرنسيون قبل انتهاء الفترة الجميلة. لقد وضع الفرنسيون على كل جانب من بوابة الثكنة العسكرية مدفع ميدان مخصَّصاً لتلك المناسبة، وقد بدا لي أن لهذا علاقة بمقتل (بن حمانة)، بل أكثر من ذلك حين اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى بعد ذلك بعدة أيام خُيل إلي أن ذلك ما وقع إلا بسبب حادث الاغتيال.

<<  <   >  >>