للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

حين اندلعت نيران الحرب العالمية الأولى التي غيرت فيما بعد وجه العالم، لم يكن لذلك الحدث وقع كبير في نفسي، فالرابع عشر من آب (أغسطسى) عام ١٩١٤ لم يكن بالنسبة لي غير يوم كباقي أيام السنة؛ وحين سمعت جدتي تستعيد ذكريات حرب عام ١٨٧٠ أو (عيطة البروس) كما كانت تسميها، خُيِّل إلي أن ما حدث في ذلك اليوم كان فقط بسبب مقتل (بن حمانة). وعلى كلٍ فإني أعتقد أن جميع الشعوب كانت في ذلك الوقت طفلة مثلي، فلم تستطع أن تقدر ماهية الحدث وأبعاده. ذلك أنها لم تكن تستطيع ذلك.

من المؤكد أن مظاهر الاندفاع الوطني كانت كثيرة وشاملة. إنني لا أدري ماذا فعل سكان برلين وكذلك سكان لندن لدى سماعهم نبأ الحرب، غير أن ما أعرفه هو أن أهالي باريس قد اندفعوا يحطمون واجهات المحلات التي افترضوا أنها تخص الرعايا الألمان، كما خرّبوا منشآت كثيرة منها مستودعات ( Maggi).

وساروا في تظاهرات ضخمة مخترقين شوارع باريس نحو (محطة الشرق La gare de L’Est) وهم ينشدون المرسلياز لوداع قوافل الشباب المسافرة إلى الجبهة. أما في تبسة فذلك اليوم كان عادياً كغيره: الأطفال يتلهون بتسلق الأسوار والأمهات يغزلن الصوف أو يطبخن الكسكسي، والحكواتي يسرد كعادته أخبار سيدنا علي أو يقصّ شيئاً من سيرة (أبي زيد الهلالي) في ساحة السوق؛ أما في المساء فكان الناس في الحي الأوربي من المدينة يمكنهم أن يشهدوا فيلماً تعرضه سينما متجولة تمر بالمدينة مرة في الأسبوع، فتعرض على رصيف أحد المقاهي أفلام (ماكس لينتر Max Linter)؛ أما في الجانب الغربي من المدينة فكان الناس يستمعون إلى فصل من قصص ألف ليلة وليلة، يُقرأ في أحد المقاهي الجزائرية. لكن البلاد

<<  <   >  >>