للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وبدأ (أينشتين) يحضر حقائبه ليتوجه نحو سويسرا في الانتظار، ودخل العالم عامه الأول من تلك الأزمة السياسية التي كان مآلها انفجار الحرب العالمية الثانية.

وبدأت الأفكار العربية الوحدوية التي حركها (فريد زين الدين) بالحي اللاتيني تخمد بعد ذهابه.

وبدأت الموسيقا الوطنية في البلاد العربية تعزف على النوطة (القومية)، وبرهن (مصالي حاج) أنه يجيد هذا العزف، وصارت فعلاً بين يديه، جمعية (نجم شمال إفريقيا) آلة تصغي لعزفها الجماهير من عمالنا الذين يعملون بين يديه بباريس؛ فقد بدأت السلطات الاستعمارية تهتم بشأنها أكثر من ذي قبل، وبدأ أفراد الفئة الطلابية الجزائرية يفكرون في تحديد خط سيرهم حسب ما تجري به الرياح السانحة.

أعتقد أنها السنة التي نشأت فيها فعلاً الاتجاهات القومية الأولى لطلابنا في الحي اللاتيني؛ وللقائل أن يقول: ((لماذا لم يصبح (عمار نارون)، قائد الانشقاقيين في الفترة السابقة، هو الآخر وطنياً قومياً؟)).

ربما لأنه لم يكن يجيد العزف ولأنه يفقد حاسة الشم فلم يشتم من أين تأتي الريح السانحة. ومهما يكن فقد بدأت في الجزائر نفسها تنشأ صورة أخرى للوطنية، تلك الصورة التي تجسدت في مؤسس وحدة المرشحين بقسنطينة مع (فرحات عباس) والدكتور (بومالي) ومن لف لفهم، وتورط فيها حتى ذلك الرجل النزيه الدكتور (سعدان) رحمه الله الذي ساقته الحظوظ السيئة ذات يوم، إلى ذلك الغاب حيث تصيد الذئاب.

وهكذا بدأت في تلك الفترة تنشأ صورة القومية الجزائرية بجناحيها: الجناح الكادح الطامح إلى البرجوازية في ذات قيادته المتواطئة مع الحركة اليسارية الفرنسية، والجناح البرجوازي المتواطئ مع الاستعمار.

<<  <   >  >>