للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قسنطينة، مررنا بمدخل يدعى السقيفة. ولعل مردّ تلك النظافة إلى العادة الشائعة في المدينة التي تفرض على المستأجر واجب طلاء الجدران بالكلس مرة كل سنة.

وأنا الآن أدرك نظام السكن في تلك البيوت، وغالباً ما يوجد عشرون مستأجراً تنمو العلاقة بينهم في حدود ضيقة. فكل بيت منها عبارة عن جماعة تجد فيها الأرملة والطالب والعامل والتاجر الصغير والمستخدم والموظف الصغير. لا يشكلون إذن طبقة ولكن جماعة تتشابه ظروف حياتهم. فهنا مستأجر أساسي مثل (سي بن يمينه) الذي يستأجر داراً ويختار بعد ذلك مستأجرين ثانويين، يدفعون بدورهم بدل الإيجار كل بما يشغل من مساحة.

وكانت أمي بهيجة واحدة من هؤلاء المستأجرين في تلك الدار، فالمورد الذي كان يؤمن لها الحياة مع عمي الكبير، انقطع بانقطاع المرتب التقاعدي الذي كان يتقاضاه باعتباره من متقاعدي حرب عام ١٨٧٠؛ وهي لذلك تعمل أمينة صندوق لحمام. إنها وظيفة ثقة تناسب هؤلاء العجائز لاعتبارالت تتعلق بأمانتهن.

وناداها سي (بن يمينه): بهيجة ... بهيجة. ها قد وصل الصدّيق؛ وسمعتها تصرخ بفرح وتنرل السلم بسرعة لتحضنني بذراعيها. وصعدت معها درج السلم حافي القدمين كما كانت تقاليد تلك البيوت، ثم قادتني إلى الحجرة الصغيرة التي تشغلها في الطابق الأول وأمضيت الليلة الأولى بين ذراعيها.

هكذا بدأت مرحلة جديدة من طفولتي. كان أول ما فعلت في الصباح أن تعرفت على جدي الذي أصبح صديقاً لي بسرعة. فقد أخذ يطلعني على معالم المدينة، ويقودني أحياناً إلى الزاوية العيسوية التي كان أحد أركانها، وكانت تحيي كل سبت حلقة من الذكر تعرض فيها الكرامات المدهشة والعجائب. وأحياناً

<<  <   >  >>