للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجوه رجال تلك الطريقة، وأصبحت أذهب معهم في كل مرة تقام فيها خارج الزاوية في منزل أو عائلة، وكنت أجلس معهم في الحلقة المؤلفة من الجوقة والعازفين، ولأنني كنت في الرابعة عشرة من عمري فقد كان صوتي كصوت ديك أزغب الحواصل يثقب الآذان.

كان الإخوان ينتظمون في الحضرة وبينهم (الشاوش) وهو الشخص الذي يتولى إدارة الحلقة، فيدعو كلاً بدوره ليدخل في الجذب حالة الوجد فينتصب واقفاً، ويبدأ في حركات الذكر التي تتناغم مع إيقاع الشاوش إذ يضرب على يديه فيشير إلى مراحل الذكر.

أما المقدم سيدي (علي بن الفول) فكان يجلس في ركنه من المجلس محاطاً باحترام الجميع كأب روحي. وهو دائماً معهم في شؤونهم صغيرها وكبيرها، معهم في حفلات زواجهم وختان أبنائهم وكذلك المآتم.

وكانت الطريقة العيسوية ذات رعاية من أهل المدينة وخاصة التجار؛ أما جماعة العمارية فكان مريدوها من الباعة المتجولين وسائقي العربات والخيول ورماة الجيش المقيمين في ثكنة المدينة.

ولكن صداقات أخرى كانت لي في المدرسة، فرفيقي التبسي (صالح حليمية) يقيم في غرفة متواضعة مع شقيقه الذي أنهى السنة الرابعة، وكان يزورني غالباً في بيت عمي؛ ولكن كانت تلذ لي زيارة رفيقي (حمزة بوشوشة) الذي كان يسكن غرفة صغيرة ولكنها غرفة في فندق الصحراء، وأظن أنه الوحيد في قسنطينة الذي يقبل بين نزلائه مواطنين عرباً. كن يسمى فندق (العوراء)، وربما كان ذلك نسبة إلى صاحبته القديمة التي أورثته أبناءها، وهم ولد عجوز وابنة عانس كنت أعرفها.

كنت أحب أن أدرس مع (بوشوشة) في تلك الغرفة الصغيرة فنجلس على

<<  <   >  >>