الأسبوع بالنسبة لي ساعة من العذاب. فمنذ السطرين الأولين أو الثلاثة يصبح نظري ضبابياً لا أستبين معه الأحرف. وكان يزعجني أن أضطر لقراءة مهجاة أمام رفاقي وأنا أفرك عيني عند كل مقطع، دون أن أصرح للمعلم بأنني لا أستطيع القراءة. أخاف أن يكون ذلك عيباً يلغي انتسابي للمدرسة ويمنعني من متابعة دروسي.
أخيراً لم أجد بداً من أن أطلع أقاربي على آلامي. لقد قرروا أن أعرض على اختصاصي في قسنطينة كان صديقاً لجدي، وهكذا منذ ذلك الوقت بدأت أضع نظارات على عيني.
لقد كان ذلك أول الأمر مبعث إزعاج لي من الشباب الأوربي الذين يقذفونني كلما رأوني بقولهم:((إيه! أبو أربع عيون)) أنا الذي كنت أُعرف بالشاشية (١) الحمراء.
كان هؤلاء الأوربيون يستقطبون تفكيري وخاصة طلاب المدارس الثانوية منهم، حين كنت أراهم أيام الآحاد يتنزهون تحت إشراف ناظر مدرستهم، مرتدين زيهم من الجوخ الأخضر الغامق، وكان الخيال ينطلق بي معهم، فهؤلاء سيصبحون محامين أو أطباء أو أساتذة، أما أنا فقد حكم علي بأن أكون عدلاً.
ومرة وجدت الفرصة سانحة للدخول في المدرسة الثانوية. فقد كان علي أن أدخل امتحاناً خاصاً، ولكن سني- بسبب التحاقي في المدرسة الابتدائية متأخراً- أصبحت تمنعني من القبول.
في هذه السنة ١٩٢٠ تلقيت مع الشيخ عبد المجيد أول أسس الثقافة العربية.
لقد تعلمت تصاريف الأفعال والتمييز بينها وحفظت شيئاً من الشعر. كان ذلك أيضاً في البلاد نقطة تَحوّل. ففي قسنطينة تأسست جريدة ناطقة بالعربية