هكذا يقول بن نبي في شهادته، وكأنما يريد أن يمنحنا من جديد مصطلحات رموز هذه الرسالة، بعد أن افتقدنا هذا المصطلح، وباتت رسالة حضارتنا رمزاً لا نستطيع له إدراكاً يلج في أعماق جيلنا المعاصر.
مالك بن نبي يحدثنا عن حدود التلاقي بين حضارة مندفعة تحتاح ما أمامها، وحضارة أسلمت مقاليدها للتاريخ وغدت أجيالها في مهب الريح.
كذلك كانت الجرائر وقد اجتاحها الاستعمار الفرنسي. لكن الجزائر عينة من عينات ذلك العالم الإسلامي الذي استقال من مهمته التاريخية، وغدت بقية التراث أشلاء مبعثرة هنا وهناك، لا تصمد أمام طوفان الحضارة الغربية وجحافلها المنتصرة.
هكذا ينقل إلينا مالك بن نبي صوراً من شهادته، إذا صدقت على أجيال الجزائريين من أبناء جيله، فهي صادقة أيضاً على أجيال العالم الإسلامي، والعالم المتخلف بأجمعه منذ بداية هذا القرن.
ولذا فهو شاهد أحداث هذا القرن فيها يروي.
والشهادة هذه ليست شهادة لمعاناة مجتمع مغلوب على أمره، وهي ليست شهادة على مجتمع لا يدرك لدفاعه فعالية الوسائل فحسب، بل إنها أيضاً شهادة على ما أرست حضارة الغرب الحديثة من مصطلحات ومفاهيم ومنجزات، تزري بمسيرة الإنسانية وهي تنشر ثقافتها وجيوشها.
فمالك بن نبي- وهو يروي أدق التفاصيل- لا يغفل عن إبراز القيم الأساسية التي ما يزال يحتفظ بها رجل الفطرة، وقد ورثها من أجيال سابقة حفظت التراث والقيم. وهو في الوقت نفسه يطرح أمامنا تهافت مثقفينا؛ الذين انغمسوا في الثقافة الغربية ومصطلحاتها وواقعها، فانقلبوا في حركتهم التقدمية إلى الوراء، واتخذوا من السياسة سبيلاً إلى قيادة تسير نحو العدم، لأنهم افتقدوا في