ذلك الصخب الذي عانته مجتمعاتنا الإسلامية منذ بداية هذا القرن، سبل الفعالية في المبادرة والاتجاه، وهكذا فاتهم قطار التاريخ.
هذا الكتاب يحمل إلينا دفء الأصالة، ويهزّنا حين يروي لنا صفاء الراعي والبدوي ووفاءه للقيم، والتزامه بما استقر في ضميره من تقاليد هي أقرب إلى روح الحضارة وأرسخ في خطا التقدم.
فالذي حمله المثقفون الجزائريون من الجامعات والمعاهد الفرنسية، والذي نقله الاستعمار من الهياكل الإدارية إلى أرض الجزائر، قد أفسد الرؤية وأنقص قيمة الإنسان، وأحل مكان خرافة المرابطي شيخ الطريقة خرافةَ الزعيم، وهكذا تحطمت بمنطق السهولة المبادرات البناءة التي بدأتها حركة الإصلاح بقيادة (بن باديس).
هذا الكتاب يكشف لنا مكونات فكر بن نبي، وهاجسه العميق الذي رافقه طيلة حياته.
إنه هاجس الحضارة ومشكلاتها. وما كان لبن نبي أن يروي لنا شهادته، لولا أنه قد رغب في تأصيل الأساس الفكري لنهضتا، وآثر الحقيقة والتزم جانب الصدق والكفاح حتى أسلم الروح، لم تفتر له عزيمة في بيان ولم يهن له عزم في كشف كل زيف، تروج بضاعته في أسواق الثقافة ومراكز التوجيه.
إنه شاهد قرن ومبلغ فيه لما شهد. والتبليغ في منعطفات التاريخ رؤية فكرية وروحية معاً. في صيغته وضوح المعالم، وفي حرارته شرارة الإقلاع.