٣- قوله:"كما أطرت النصارى ابن مريم"، قد بين الله تعالى في كتابه العزيز ما كان عليه النصارى من الغلو وحذرهم من ذلك ومن ذلك قوله تعالى في سورة النساء:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} .
٤- قوله: فقولوا عبد الله ورسوله، جمع صلى الله عليه وسلم بين وصفه بكونه عبد الله ووصفه بكونه رسوله دفعا للإفراط والتفريط، دفعا للإفراط والإطراء والغلو لأنه عبد الله تعالى، ودفعا للتقصير والتفريط بترك متابعته وعدم الأخذ بسنته والسير على نهجه الذي أرسله الله به، ورحم الله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب إذ يقول: عبد لا يُعبد ورسول لا يكذب بل يطاع ويتبع، وهذا هو مقتضى شهادة أن محمدا رسول الله، فان معناها كما قال رحمه الله: طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما عنه نهي وزجر وأن لا يعبد الله إلا بما شارع.
٥- لما كان أهل الكتاب بالنسبة لعيسى عليه الصلاة والسلام طرفي نقيض النصارى في جانب الإفراط حيث غلوا فيه ورفعوه إلى المنزلة التي لا يستحقها والتي لا تليق إلا بالله وحده لا شريك له، وفي جانب التفريط أيضا حيث حرفوا وبدلوا وخالفوا الشريعة التي جاء بها عيسى صلى الله عليه وسلم، وفي جانب التفريط أيضا اليهود الذين يقتلون الأنبياء ويتنقصون عيسى صلى الله عليه وسلم ويصفونه وأمه بما هم برءاء منه لما كان أهل الكتاب في الطرفين المتناقضين، حذرنا الله من سلوك سبيلهم وأمرنا في كل ركعة من ركعات الصلاة أن نسأله الهداية للصراط المستقيم صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير الطريق التي سلكها أعداؤه من المغضوب عليهم والضالين. وقد جمع صلى الله عليه وسلم بينه وبين عيسى صلى الله عليه وسلم في وصف كل منهما بأنه عبد الله