وما قدره الله وقضاه لابد من وقوعه كما تقدم بيانه ونحن لا نعلم ذلك إلا بواحد من أمرين أحدهما وقوع الشيء، فكل ما وقع علمنا أن الله قد شاءه لأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فأي حركة تجرى فهي بمشيئة الله، والثاني حصول الأخبار بالشيء الغائب عنا من الذي لا ينطق عن الهوى عظيم سواء كان ماضيا أو مستقبلا فإذا أخبر عن شيء ماض علمنا قطعا بأنه كان ووقع كما اخبر، وإذا أخبر عن شيء مستقبل علمنا قطعا بأنه لابد وأن يقع لأن الله قد شاءه، فالأخبار الماضية كأخبار بدء الخلق مثلا، والمستقبلة كأخبار آخر الزمان ونهاية الدنيا وغير ذلك.
وليس معنى المشيئة الشاملة والإرادة القدرية أن الإنسان مسلوب الإرادة مجبور على أفعاله لا مشيئة له ولا اختيار بل له مشيئة تابعة لمشيئة الله كما قال تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ولهذا ندرك الفرق بين الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش والحركات الاختيارية من العقلاء كالبيع والشراء وحصول الإحسان من البعض والإساءة من البعض الآخر، فالاضطرارية لا دخل للعبد فيها، والاختيارية تجرى بمشيئة العبد وإرادته التابعة لمشيئة الله وإرادته.
ومن أمثلة الإرادة الدينية في القرآن قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} ومن أمثلة الكونية القدرية قوله تعالى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} وقوله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} من السنة قوله-صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه:" من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"..
٥- قوله إنما أنا قاسم والله يعطى. أعاد البخاري الحديث في كتاب فرض الخمس للاستدلال بهذه الجملة على أن قسمة الغنيمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قاسم للمال حيث أمره الله وساق مع هذا الحديث أحاديث أخرى منها