أن مريدي الصيد بالرمي يتمطى بيساره نحو الأرض مرات حتى يؤنس الطريدة، فتألف ذلك منه ولا تذعر له، ثم حينئذ يستغرق نزعه، ويمضي سهمه. ولا يزال امرؤ القيس في كثير من شعره يفخر بالصيد وأكل لحمه، كقوله مع عراقته في الملك:
تظلُّ طهاةُ اللحم من بين منضج ... صفيف شواء أو قدير معجّلِ
وسماه لذة واكتفى بذلك من أن يذكر الصيد لعلمهم بذلك واشتهاره فيهم وقدره عندهم فقال:
كأني لم أركب جواداً للذة ... ولم أتبطن كاعباً ذات خلخالِ
ومن فضائله ما فيه من التبرز على ركوب الخيل صعوداً وحدوراً وكرّاً وانكفاءً وتعطفاً وانثناءً، وذلك كما قدمنا زائد في الفروسية، ملين من المعاطف، مسلس من المراود، محلل لكوامن الفضول، مثبت للركبة، منسيء للشهوة، مؤمن من العلل المزمنة.
وقال بعض الحكماء: قلما يعمش ناظر زهرة، أو يزمن مريغ طريدة، يعني بذلك من أدمن الحركة في الصيد، ونظر البساتين، فاستمتع طرفه بنضرتها، وأنيق منظرها، وليس يكبر الملك الرئيس العظيم الوقور إذا أثيرت الطريدة أن يستخف نفسه في ارغتها، ويستحضر فرسه في أثرها، ويترجل عنه في المواضع التي لا يقتحم الفرس مثلها.
وحكي عن عظماء الأكاسرة من ذلك ما هو مشهور في سيرهم، وعن الخلفاء الراشدين ما نذكره في باب من أغري به منهم، ومنها ما يسنح فيه من النشاط والأريحية، لا سيما مع الظفر، ودرك البغية، فأن المرء