الحمد لله مالك الملك يؤتي ملكه من يشاء، ومدرك الخلق فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، والصلاة والسلام على صفوته من عباده موئل أهل الفضل ومنجع الفقهاء، وعلى آله وأصحابه ومن اقتدى بهديهم وتجمهر في حزبهم إلى يوم الجزاء.
أما بعد: فإن مقام الفقه في الدين جليل المقدار، لأن الفقه هو غاية العلم وثمرته. وقد أنبت الله تعالى في هذه الأمة من تربى على هذا الشأن وتمرّس فيه وبرع، فكان في كل عصر ومصر: فقهاء ربانيون، وأئمة مرضيون، يبيّنون شرائع الإسلام وآدابه، ويفتون في النوازل والوقائع، ويسيرون بالأمة على المحجة البيضاء، ويرتبونها على الجادة العصماء، قصاراهم طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومبتغاهم خدمة هذا الدين وأهله، شعارهم الاتباع لا الابتداع، وديدنهم الاجتهاد والاتساع.
وفي مقدمة هؤلاء الفقهاء بعد الصدر الأول: الأئمة الذين طار ذكرهم في الآفاق، وهم الأربعة المنتجبون المتّبعون، الذين لم يألوا جهدا في التمسك بالأصلين، ولم يدّخروا وسعا في الاجتهاد والنصح. وقد قيّض الله لهم من الأتباع العدد الوفير، والجحفل الكبير، فقاموا بخدمة مذاهبهم على أكمل وجه وأرضاه، وأظهروا مناهج أئمتهم حتى صارت قبسا هاديا للناس.