وقوله:{إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] و (إلا) هذه أداة استثناء، والاستثناء هنا مفرغ - أي مفرغ من أعم الأحوال كما يقول النحاة - يعني: وما خلقت الجن والإنس لشيء، أو لغاية من الغايات أبدا إلا لغاية واحدة، هي: أن يعبدوني.
وقوله:{لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] هذه اللام تسمى لام التعليل، ولام التعليل هذه قد يكون معناها: إما تعليل غاية، أو تعليل علة.
فتعليل الغاية: يكون ما بعدها مطلوبا ولكن قد يكون، وقد لا يكون، يعني: هذه الغاية. ويسميها بعض العلماء. لام الحكمة. وفرق بين العلة والحكمة، يُوَضِّحُهُ: إذا قيل: ما الحكمة من خلق الجن والإنس؟ فالجواب: أن يعبدوا الله وحده دون ما سواه فهذا التعليل لقوله: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] هو تعليل غاية؛ ولو سألت شخصا -مثلا-: لم أحضرت الكتاب؟ قال لك: أحضرته لأقرأ، كانت علة الإحضار أو الحكمة من الإحضار القراءة فقد يقرأ وقد لا يقرأ بخلاف اللام التي يكون معناها العلة؛ وهي التي يترتب عليها معلولها، والتي يقول العلماء في نحوها: الحكم دائر مع علته وجودا وعدما، فتلك هي علة القياس التي لا يتخلف فيها المعلول عن العلة. فتكون اللام هنا: علة الغاية؛؟ لأن من الخلق من أُوجد، وخلقه الله- جل وعلا- لكن عبد غيره.
ولام الحكمة شرعية، ويكون ما بعدها مطلوبا شرعا؛ وقد قال - جل وعلا - هنا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦] فنفهم من هذا: