للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

أن هذه الآية دالة على التوحيد، من جهة أن الغاية من الخلق هي التوحيد، والعبادة هنا هي التوحيد.

وحقيقة العبادة: الخضوع والذل، فإذا انضاف إليها المحبة والانقياد صارت عبادة شرعية، قال طرفة في وصف ناقة:

تباري عتاقا ناجيات وأتبعت ... وظيفا وظيفا فوق مور مُعَبَّد

والمور: الطريق، والمعبد: هو الذي ذلل من كثرة وطء الأقدام عليه.

وقال أيضا في معلقته:

إلى أن تحامتني العشيرة كلها ... وأفردت إفراد البعير المُعَبَّد

يعني: الذي صار ذليلا؛ لأنه أصيب بالمرض، فجعل بعيدا عن باقي الأبعرة، فصار ذليلا، لعدم المخالطة.

والعبادة شرعا: هي امتثال الأمر والنهي على جهة المحبة والرجاء والخوف. وقال بعض العلماء: إن العبادة هي ما أُمر به من غير اقتضاء عقلي ولا اطراد عرفي. وهذا تعريف الأصوليين.

وقال شيخ الإسلام- في بيان معناها في أول رسالة " العبودية"-: العبادة: اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة.

فتكون دلالة هذه الآية - إذًا-: أن كل فرد من أفراد العبادة يجب أن يكون لله وحده دون ما سواه؛ لأن الذي خلقهم إنما خلقهم لأجل أن يعبدوه، فكونهم يعبدون غيره -وهو الذي خلقهم- يعد من الاعتداء والظلم العظيم؛ لأنه ليس من يخلق كمن لا يخلق؛ كما قال - جل وعلا-: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النحل: ١٧] [النحل: ١٧] .

<<  <   >  >>