للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[التمهيد لشرح كتاب التوحيد]

الأمر كما يشاء إلا شرذمة قليلة من الناس - كما قال الشهرستاني وغيره: لا يصح أن تنسب لهم مقالة.

فالناس مفطورون على الإقرار بالرب، وعلى الإقرار بأنهم مخلوقون، وإذا كان كذلك: فإن الحجة عليهم قائمة بوجوب إقرارهم بتوحيد الإلهية؛ لما جعل الله في فطرهم من الإقرار بتوحيد الله في ربوبيته؛ ولهذا: لم يكن المشركون ينكرون توحيد الربوبية، بل كانوا يعترفون أنه تعالى: الرزاق وحده، وأنه الخلاق وحده، وأنه - جل وعلا - هو الذي يحيي ويميت، وهو الذي يجير ولا يجار عليه، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو الذي ينبت النبات، وهو الذي ينزل الماء، إلى آخر إفراد تدبيره - جل وعلا - للأمر، وإفراد توحيد الربوبية.

فالبرهان على أن الله هو المستحق للعبادة وحده: أنه - جل وعلا - هو مالك الملك وحده، وهو المتفرد بتدبير هذا الملكوت، وهو الذي خلق العباد، والعباد صائرون إليه، أما الآلهة التي توجه إليها العباد بالعبادة من الأنبياء، أو الأولياء، أو الملائكة، فإنما هم: مخلوقون مربوبون، لا يخلقون شيئا، وهم يخلقون، وأيضا: لا يستطيعون نصرا لمن سألهم، وإنما ذلك كله لله - جل وعلا - فإذا كان أولئك المدعوون ليس لهم من الأمر شيء، وليس لهم من الملك شيء، وليس لهم من الخلق شيء، وليس لهم من تدبير الأمر شيء، وإنما تدبير أمر السماوات، وتدبير أمر الأرض بيد الله وحده دون ما سواه، فإن الذي يستحق العبادة وحده، هو الذي يفعل تلك الأفعال، وهو الذي يتصف بتلك الصفات، وهو الذي وحده العباد في ربوبيته؛ فإذا كان كذلك: فيجب أن يوحدوه بأفعالهم؛ وألا يتوجهوا بالعبادة إلا إليه وحده.

<<  <   >  >>