ليخلقوا شعيرة» أخرجاه: هذا الحديث فيه معنى وفيه تمثيل، أما المعنى هو قوله:«ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي» ، فسبب الظلم أن العبد اعتدى، فأراد أن يخلق كخلق الله - جل وعلا - والمقصود بذلك أن يصور كتصوير الله - جل وعلا - لخلقه.
ثم قال معجزا:«فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» معلوم أن الذرة - وهي واحدة الذر، صغار النمل - من أصغر المخلوقات. وحبة الحنطة، أو حبة البر، أو حبة الرز، يمكن أن تصنع، ولكن لا يمكن أن تكون كخلق الله - جل وعلا - وكذلك الشعيرة يمكن أن تصنع شكلا وأن تصور شكلا، لكن يعجز أن يجعل فيها الحياة، فمثلا حب البر، أو الشعير، أو الرز، أو نحو ذلك مما صنعه الله ينبت إذا وضع في الأرض، أما ما صنعه المخلوق فإنه لا تكون فيه حياة، فالرز الصناعي الذي يأكل، لو رمي في الأرض لما خرج منه ساق، ولما خرج له جذر، ولما كانت منه حياة، وأما الذي يكون من خلق الله - جل وعلا - فهو الذي أودع فيه سر حياة ذلك الجنس من المخلوقات؛ ولهذا قال بعض أهل العلم: إن هذا على وجه التعجيز، فالذي يخلق كخلق الله - جل وعلا - هذا من جهة ظنه، أما من جهة الحقيقة فإنه لا أحد يخلق كخلق الله؛ ولهذا صار ذلك مشبها نفسه بالله - جل وعلا - فصار أظلم الخلق.
استدل مجاهد وغيره من السلف بقوله:«أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة» على أن تصوير ما لا حياة فيه أو ما لا روح فيه محرم؛ لأنه ذكر الحبة والشعيرة، قالوا: فتصوير الأشجار وتصوير الحب ونحو ذلك لا يجوز.